ملتقي اهل اللغه (صفحة 2383)

الآية الثانية عشرة قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} الآية 83 من سورة مريم.

الآية الثالثة عشرة قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} الآية 225 من سورة الشعراء.

هذه هي الآيات الثلاث عشرة التي وردت فيها صيغة الاستفهام: (ألم تر أن).

واستفهام هذه الصيغة في هذه الآيات كلها استفهام تقريري بمعنى الخبر؛ فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} معناه - والله أعلم - قد رأيت أن الله خلق السموات والأرض بالحق، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} معناه - والله أعلم - قد رأيت أنهم في كل واد يهيمون.

وقد تسألين وتقولين: إذا كان الكلام مع الاستفهام التقريري بمعنى الخبر، فلم لا يجيء هذا الكلام ابتداء على صورة من صور الخبر دون أن يتقدمه هذا الاستفهام؟

أقول: هذا الاستفهام ينبه المخاطب لما سيأتي بعده، كأنما يقول له: انتبه، أتسمع؟ وشتان ما بين الكلامين يأتي أحدهما بعد تنبيه ويأتي الآخر ابتداء لم يتقدمه ما ينبه السامع لما بعده.

من حقك علي أن أخبرك أن الزمخشري في كشافه [i] (http://www.ahlalloghah.com/#_edn1)[1] قد قال في الاستفهام الوارد في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} قال ما يلي: "والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار).

وتابعه على هذا الرأي أبو السعود في تفسيره [ii] (http://www.ahlalloghah.com/#_edn2)[2] فقال: " {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} تعجيب لرسول الله صلى عليه وسلم مما نطقت به الآيات الكريمة السالفة".

وأقول: يحكم على الاستفهام ويبين معناه بالنظر إلى جملته، وأي عجب في إرسال الله سبحانه وتعالى الشياطين على الكافرين تهيجهم إلى المعاصي وتغريهم بها إغراء، إن أحدا لا يستطيع أن يقول حقا إن في هذا عجبا.

وادعاء أن التعجيب قد كان بما جاء قبل همزة الاستفهام ادعاء غير سليم؛ لأن همزة الاستفهام لها الصدارة في جملتها، يستفهم بها عما بعدها ولا يستفهم بها عما قبلها.

وقد تقدم أن قلت إن الاستفهام في هذه الصيغة استفهام تقريري بمعنى الخبر.

أريد الآن أن أعود بك الآن إلى هذه الصيغة الاستفهامية: (ألم تر أن) لأحدثك بما جاء فيها من كلمات وما يتصل بتلك الكلمات:

(تر) في هذه الصيغة مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير المخاطب المستتر، والمخاطب في هذه الصيغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يصلح للخطاب.

و (تر) في هذه الصيغة بمعنى تعلم، فهو يتعدى إلى مفعولين، و (أن) التي تلت (تر) حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهي في الوقت نفسه حرف مصدري تؤول مع خبرها بمصدر في محل نصب يسد مسد مفعولي (تر).

ومتعلق الرؤية في هذه الآيات - ماعدا الآية الأخيرة - إخبار عن الله سبحانه وتعالى تبين فيما تبين أنه - جلت قدرته - خلق السموات والأرض بالحق، يعلم ما فيهن لا يخفى عليه شيء، له يسجد ما فيهن ويسبح، ينزل الماء من السماء فينشأ عن ذلك نعم ومنافع كثيرة مختلفة لا تحصى، ومن نعمه تعالى: تسخيره الفلك تجري في البحر بأمره وإحسانه، وإمساكه السماء أن تقع على الأرض، وأنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى، وأنه تعالى يرسل الشياطين على الكافرين تهيجهم على المعاصي تهييجا؛ فلا يرجى منهم خير ولا يتوقع بر.

هذا ما تعلقت به الرؤية الواردة في هذه الصيغة قد سقته إليك على وجه الإجمال دون تفصيل.

وقد جاءت هذه الأخبار جميعا بـ (أن) اهتماما بما تضمنه ومزيد عناية به.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015