قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. الآية: - 8 - سورة المجادلة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى} استفهام تعجب وتعجيب وتنبيه وموضع هذا حال أولئك اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم ليوقعوا الريبة والخوف في قلوب المؤمنين، فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا، ويعودون مرة بعد أخرى إلى ما نهوا عنه، ويتناجون بالإثم وعداوة المؤمنين ومخالفة ما يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم هم يحيّون الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاءوه بـ (السام عليك) وهى تحيّة لم يحيّ الله بها رسوله، ويقولون في أنفسهم هلا يعذبنا الله بما نقول من سوء، لو كان نبيا حقا لعذبنا الله بهذا السوء الذي نقوله، ستكون جهنم عذابا لهم يقاسون حرها، وجهنم كافية لتعذيبهم، ومصيرهم فيها بئس المصير.
الآية الرابعة عشرة:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. الآية - 14 - سورة المجادلة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى} استفهام تعجب وتعجيب وتنبيه، وموضع التعجب والتأمل حال هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا اليهود المغضوب عليهم أولياء يناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين.
لم يكن هؤلاء المنافقون من المؤمنين لأنهم كانوا يضمرون الكفر، ولم يكونوا من اليهود لأنهم كانوا يتظاهرون بالإسلام، كانوا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وكانوا يحلفون كذبا إنهم مؤمنون وهم يعلمون أن ما يحلفون عليه هو الكذب المحض.
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. الآية: -11 - سورة الحشر.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى} استفهام تعجب وتعجيب وتنبيه، وموضع هذا التعجب والتنبيه حال جماعة من المنافقين يقولون ليهود بني النضير إخوانهم في الكفر والموالاة: لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نتخلى عن صحبتكم، ولا نطيع - مهما تطاول العمر - أحدا يمنعنا من الخروج معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم على أعدائكم.
يقول هؤلاء المنافقون لأولئك اليهود هذا القول، ويقسمون عليه، والله يشهد إنهم لكاذبون في تلك الأقوال والوعود.
أختي العزيزة هل:
هذه الآيات الخمس عشرة التي وردت فيها صيغة الاستفهام: {أَلَمْ تَرَ إِلَى} ولعلك قد رأيت أن أحوال اليهود في هذه الآيات كان لها النصيب الأوفر لمن أراد أن يتعجب أو يتدبر، وأن المنافقين قد جاءوا دونهم منزلة في هذه الأحوال العجيبة، ثم جاء كفار مكة بعد هؤلاء وأولئك، ثم تفرقت فرادى مواضع العجب والتأمل والتفكير.
وما أظنك في حاجة إلى أن أنبهك على أن تعجب المخاطب في هذه الآيات ما عدا الآية الحادية عشرة آية الظل قد قام على الإنكار والاستغراب والاستهجان، وأن تعجب المخاطب في آية الظل قد قام على التعظيم والإجلال والاستحسان.
مراجع ما ورد في هذه الرسالة مرتبة حسب ترتيب الأرقام التي جاءت فيها:
1 - الإتقان للسيوطي جـ 1 ص 67 طبعة الحلبي بمصر.
ب- قرآن كريم (بهامشه تفسير الجلالين) الناشر مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد- بجوار الأزهر/ ص 524 تحت عنوان خاتمة.
2، 3 - حاشية الدسوقي على مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري ج 1 ص 9 الناشر مطبعة ومكتبة المشهد الحسيني- القاهرة.
4 - البرهان للزركشي جـ 2 ص 327 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- الطبعة الثانية- الناشر عيسى البابا الحلبي وشركاؤه.
5 - تفسير القرطبي جـ 3 ص 230 - طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية- بالقاهرة.
¥