ـ[فريد البيدق]ــــــــ[11 - 02 - 2014, 02:12 م]ـ
(4)
وفي "عصفوران بين الشرق والغرب" لعبد الحميد ضحا 2013م نجد العصفور صار عصفورين ينتميان إلى الشرق والغرب معا، وهذا تطوير وانفتاح؛ فالعصفور مهما كان قويا فهو عصفور ضعيف لا سيما عندما تجتمع عليه الوحدة والغربة واتباع الهوى؛ مما يشير إلى أن ضحا قد قرأ "عصفور الشرق" وتفاعل معه، وجادله واختلف معه لاختلاف موقفه من الإسلام عن توفيق الحكيم فأنتج هذه الرواية ليقول ما كان ينبغي قوله، وليصحح أخطاء عصفور الشرق.
ثم نجد الغلاف يحمل نص الرواية على سطرين وملونا بلونين، الأول يحتوي كلمة "عصفور" بلون أزرق، ثم تأتي لاحقة التثنية "ران" باللون الأحمر تأكيدا للحوار الذي قام بين ضحا 2013م والحكيم 1938م، وأنه حوار اختلاف لا حوار اتفاق.
ثم نجد تصور الفنان المصور الذي لخص أحداث الرواية في صورة الغلاف قد أقام الشرق ممثلا بماض هو الأهرام والقلعة وحاضر هو برج الجزيرة ودائم هو نهر النيل، ونجد الغرب ممثلا بحاضر وماض ليس بعيدا هو برج إيفل. وهذا يبرز ثراء الشرق وغناه وفقر الغرب وجدبه على الرغم من أن برج إيفل أكبر من برج الجزيرة قليلا لئلا يغفل المصور الحاضر الذي يحتوي فيه الغرب الشرق ويسيطر عليه.
ثم نجد المصور قد مثّل نهاية الرواية في تخالف اتجاه العصفورين؛ فالعصفور الشرقي يتجه إلى الشرق والعصفور الغربي يتجه إلى الغرب كما كانت آخر كلمات مارتينا التي تسمت بعائشة. ونجد تأكيدا لواقع تحكم الغرب في الشرق في كون العصفور الغربي أعلى من العصفور الشرقي، وكون ذيل الشرقي أحمر رامزا إلى دماء التضحية وكون ذيل الغربي أخضر رامزا إلى نمو الإسلام في أوروبا؛ مما سيجعل الخير يأتي إليهم.
ثم نجد الإهداء يحمل في طياته براعة استهلال توحي بما ستجده في الرواية.
كيف؟
يقول الإهداء: "إلى كل عصفور يحلق في سماء الهدى؛ ليبذر السعادة في قلوب البشر، ويضيء لهم طريق الحق واليقين". هكذا يكون هذا العصفور عصفور مبدأ وعقيدة لا عصفور هوى وفن كما كان في "عصفور من الشرق"؛ لذا سيختلف المسلك على الرغم من التشابه الظاهري بين محسن عصفور 1938م ويوسف عصفور 2013م؛ فكلاهما ذهب إلى فرنسا، وكلاهما ارتبط بامرأة فرنسية، وكلاهما كان مختلفا مع أبيه الأول في نوع الدراسة والآخرفي سلوك الحياة.
وعندما تتأمل عصفور الشرق 1938م وعصفور 2013م تستحضر أن هناك فرقا كبيرا بين أن تحب إسلامك حبا ميتا أي من دون اهتمام يومي أو لحظي وبين أن تحبه حبا حيا أي باهتمام لحظي أو يومي؛ فالأول مثل الابن الذي يدعي حب والديه على الرغم من انشغاله الدائم بنفسه أو زوجه وولده عنهما، والآخر ينشغل بهما قبل انشغاله بزوجه وولده أو معهم. وتستحضر أيضا ذلك الجالس في غرفته محمكة الإغلاق وهو يرى الأشياء تحركها الرياح فيدرك عقلا أن هناك ريحا لكنه لا يستشعرها عكس من يوجد في الطريق ويعايشها.
وعندما تتأمل عصفور 1938م تستحضر أن ليس علمانيو مصر أولئك الذين يظهرون في وسائل الإعلام متدرجين من فصل الدين عن السياسة والاقتصاد إلى السخرية من الدين مما يقربهم من الرِّدَّة، بل إن عموم الشعب علماني بالتربية واكتساب العرف العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة نتيجة اختيار الحكام بدءا من "محمد علي" حصر الإسلام في العبادات فقط. كيف؟ كان الناس قديما يسوسهم علماء الأزهر، فكان الدين فاعلا في عرف الناس وعاداتهم. وبعد أن نقل "محمد علي" التأثير من الأزهر إلى التعليم الذي استحدثه بدأت عادات جديدة تتكون من أعراف غربية، وبدأت هذه الأعراف التي تفصل الدين عن الحياة تدخل حياة الناس. كيف؟ ذلك الأب الذي ينهي صلاته ليضرب ابنته لأنها ارتدت الحجاب أو النقاب علماني من علمانيي السلوك. لماذا؟ لأنه رأى والدته وزوجته ترتدي الملابس العادية، ففصل بين اللباس والدين في عرفه وعاداته. ثم مَنْ؟ ذلك الحاج المصلي الذي يفزع في خصوماته إلى مجالس عرفية تحكم بالعرف، ويرفض أن يحكم شيخ بحكم الشرع- علماني من علمانيي السلوك.
وسيؤدي ذلك الاختلاف بين الروائيين في الفكر إلى اختلاف البناء الفني.
كيف؟
إن عصفور 1938م كان عصفور أدب وهوى وفن؛ لذا كان بناؤه الفني بناء ذكريات لا أحداث؛ لذا جاء الفصلان
¥