الرابع: أن تكونَ الياءُ على صورةِ ياءِ النسبِ، وليست بها؛ فلا تفيدُ إذًا معنًى. وهو قولُ أبي عليٍّ الفارسيّ، وهو المختارُ عندي. فإن قلتَ: كيفَ وهي منسوبةٌ إلى اسمٍ تامٍّ؛ تقولُ: (أحمريّ)، فترفع الياءَ، فترجع إلى (أحمرَ). قلتُ: ليس هذا بمرادٍ؛ وإنما هو من بابِ الاتفاقِ لا القصدِ. ولو كانوا يريدونَ النسبَ لاختلَف المعنى؛ فدلَّ ما لحِقته على النسبِ، ولم نجده كذلك. ومثالُه قولُهم في التصغير (كُميت)؛ فجاءَ على صورةِ التصغيرِ مع أنه ليس بتصغيرٍ؛ فهذا يشهَدُ لذاكَ. فعلى هذا يكونُ (أحمريّ) كـ (كرسيّ) و (بختيّ) و (داذيّ) [وهو الخمر] غيرَ منسوبٍ إلى (أحمرَ) كما أنها غيرُ منسوبةٍ إلى (كرس) أو (بخت) أو (داذ).
فقد رأيتَ أنَّ المختارَ في (أعجمي) أن تكونَ الياءُ فيها ليست ياءَ النسبِ؛ وإنما هي ياءٌ زائدةٌ لا تفيدُ معنًى؛ فهي كـ (أعجم)؛ قالَ في (القاموس): (والأعجم مَن لا يفصِح، كالأعجمي). وإذا كانَ كالأعجمِ دلَّ على ما يدلُّ عليهِ. وقد علمتَ أن (الأعجم) هو مَن لا يُفصِح، لكونِه غيرَ عربيٍّ، أو لعيبٍ خَلْقيٍّ في لسانِه، أو لنحو ذلكَ؛ فكذلكَ (الأعجميّ). ولهذا قالَ تعالى في سورةِ (فصلت): ((ولو جعلناه قرآنًا أعجميًّا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربيّ))؛ فجعلَ (الأعجميّ) ضدًّا لـ (لعربي). وذلكَ أن بينَ (الأعجميّ)، و (غيرِ العربيّ) عمومًا وخصوصًا وجهيًّا؛ فهو إذًا يصدقُ على بعضِ غيرِ العربِ. وإذا كان كذلكَ صحّ إطلاقُه عليهم؛ ولا سيّما أنَّ الغالبَ في العجمِ انتفاءُ الإفصاحِ. وربَّما جازَ أن تكونُ العَلاقةُ بينَهما عمومًا وخصوصًا مطلَقًا من بابِ التغليبِ، لأنَّ من شأنِ العجمِ عدمَ الإفصاحِ؛ فيكونُ كلُّ (عجمي) (أعجمَ، وأعجميًّا)، ولا يكونُ كلّ (أعجم، وأعجمي) (عجميًّا). والتغليبُ بابٌ واسعٌ في كلامِهم. والعلماءُ رحمهم الله تعالى يستعملونَ في وصفِ المنسوبِ إلى (العجم) كلمةَ (أعجمي)؛ من ذلك ما قالَ سيبويهِ رحمه الله تعالى في كتابه: (اعلمْ أنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتةَ) [4/ 303، هارون].
أبو قصي