والحظِ التشابهَ في التَّركيب بين: (جفوني ولم أجفُ الأخلاء)، و (خالفاني ولم أخالف خليليَّ).

وقالَ:

واصلْ خليلَك ما التواصلُ مُمْكِنٌ * فلأنتَ أو هو عن قريبٍ ذاهبُ

واستمِعْ بعدَ ذلكَ إلى قولِه في «الكافية الشَّافية»:

وصِلْ خليلاً لا مُخالفًا ولا * مُبطِّئًا عمَّا ابتغَى أهلُ الولا

فقولُه: (صلْ خليلاً) يُشبهُ: (واصلْ خليلَك). وقولُه: (لا مُخالِفًا) يُشبه قولَه: (ولمْ أخالفْ خليليَّ فلا خيرَ في خلافِ الخليلِ).

وقالَ أيضًا ذاكرًا الخلافَ في منظومة «الإعلام بمثلَّث الكلام»:

وأشرَسٌ وفي الجميعِ شُرْسُ * مَن دأبُه الخلافُ للأصحابِ

وقالَ في «الألفيَّة» يصفُ الخليلين بالوفاءِ، والصدق:

وتلوَ فعلٍ انصبنَّه كما * أوفَى خَلِيلَيْنا وأصدِقْ بهما

وجمع بينَ الصِّدقِ، والوفاءِ أيضًا في قولِهِ في «الألفيَّة»:

فالعطفُ مطلقًا بواوٍ ثمَّ فا * حتَّى أمَ اوْ كفِيكَ صدقٌ ووفا

وجمعَ بينهما كذلك في قولِه في «تحفة المودود»:

وها أنا بالمنويِّ وافٍ فإنَّما * علامةُ صدقِ العازِمينَ وفاءُ

وقولُه: (وافٍ) تقدَّم في الشَّواهِدِ في قولِه:

* خليليَّ ما وافٍ بعهدي أنتما *

وقالَ في «الكافية الشَّافية» ذاكرًا الوفاءَ كذلك:

* كمثل ليس الحرُّ إلاَّ مَن وفَى *

وقالَ في «الكافية الشَّافية» في مُخلف الوعد:

* كمخلفُ الوعدَ مُحِقٍّ ذو نَكَدْ *

ومن شواهدِه النَّحويَّة الَّتي وردَ فيها إخلافُ الوعد: قولُه:

وثقتُ بها وأخلفَتْ أمُّ جندبٍ * فزاد غرامَ القلبِ إخلافُها الوعدا

وقوله:

هلاَّ تَمُنِّنْ بوعدٍ غيرَ مُخلفةٍ * كما عهدتُّكِ في أيامِ ذي سَلَمِ

فاصل1

وذكرَ الأستاذ فيصل المنصور -وفَّقه الله- أنَّ من الألفاظِ الَّتي وردَتْ في الشَّواهدِ مرارًا، مع قلَّتها في الشِّعرِ القديم: كلمة (ألغَى)، وكلمة (عُنِيَ)، وكلمة (مُولَع)، وساقَ أمثلة ذلك بما أغنَى عن الإعادةِ. وسأذكرُ ما وقفتُ عليه من ذلكَ في منظوماتِه، فمنه قولُه في «تحفة المودود»:

أيا ابنَ البَرا استحضِرْ براءً من الدُّنَى * فشبْهُ العَفا المُلغَى لديهِ عَفاءُ

وقالَ فيها أيضًا:

نُهَى الأمرِ لاحظْ والنُّهاء اعتبرْ به * وألغِ مُنًى منها اللَّبيبُ مُناءُ

وقالَ في «النظم الأوجز»:

ومِئْثرةً ألغِ ومِيثرةً ولا * أرَى لذئارٍ أو ذيارٍ مُسهّدا

وذكرَ (مَعْنِيًّا) بعينِها في قولِه في «الألفيَّة»:

وسبقَ حرفِ جرٍّ او ظرفٍ كما * بي أنتَ معنيًّا أجازَ العُلما

وقالَ في خاتمةِ «الألفيَّة»:

وما بجمعِه عُنيتُ قد كملْ * نظمًا على جُلِّ المهمَّاتِ اشتملْ

وقالَ في مقدّمة «الكافية الشافية»:

وقد جمعتُ فيه كتبًا جمَّهْ * مفيدةً يُعنَى بها ذو الهمَّهْ

وقالَ في «الإعلام بمثلَّث الكلام»:

ومن مصائدِ الظِّباءِ الجُرَّهْ * يُعنَى بها قومٌ ذوو اكتسابِ

وقالَ فيه:

* بمثلِ ذا يُعنَى أولو الألبابِ *

وقالَ فيه أيضًا:

* حكاهُ مَعنيُّونَ بالآدابِ *

وقالَ في «الكافية الشافية»:

.................. نحو جَا * إلاَّ الوليدَ المولعونَ بالنَّجا

وقالَ في «الإعلام بمثلَّث الكلام»:

* وخالفِ المُولَعَ بالإغْرابِ *

فاصل1

وأشيرُ إلى فعلٍ لَمْ يرِدْ في شواهدِه بكثرةٍ، ولا أرَى بأسًا في ذكرِه، وهو الفعل (اغتبط)، فإنه جاءَ بصيغةِ الأمرِ، مع المصدر منه في قولِه:

دُرِيتَ الوفيَّ العهدِ يا عُروَ فاغتبطْ * فإنَّ اغتباطًا بالوفاءِ حَميدُ

وجاءَ على صيغةِ اسمِ الفاعلِ في قولِه:

لغيرِ مُغتبطٍ مُغرًى بطَوعِ هوًى * ونادمٍ مُولَعٍ بالحَزْمِ والرَّشَدِ

ووردَ هذا الفعلُ مضارِعًا في «الألفيَّة» في قولِه:

ومن ضميرِ الرَّفعِ ما يستترُ * كافعلْ أُوافقْ نغتبِطْ إذْ تُشكَرُ

وجاءَ الفعل (اغتبطْ) في قولِه في «النَّظم الأوجز»:

* ........... وبالهَجْوِ فاغْتَبِطْ *

وجاءَ (اغبط) في قولِه في «النَّظم الأوجز» كذلك:

* ومَنْ ألَفَ اغْبِطْ ........... *

ولعلِّي أكتفي بهذا القدرِ.

وأودُّ أنْ أقولَ في الختامِ: ليس هذا بمنقصٍ من قدرِ الإمامِ ابنِ مالكٍ -رحمه الله- عندَنا، وخطؤُه مغمورٌ في بحر حسناتِه الكثيرة، فجزاه الله خيرًا علَى ما قدَّم، وأسكنَه فسيحَ جنَّاتِه.

وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[10 - 04 - 2014, 05:52 م]ـ

لما قرأتُ قول ابن مالك رحمه الله:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015