ملتقي اهل اللغه (صفحة 11721)

* العودة إلى المعاجم المتخصصة لتدقيق ترجمة بعض المفاهيم العلمية الواردة في القصة، مثل ما فعله مع مصطلحات "مجرى الخليج" " Gufl Stream "، وأسماء بعض الطيور.

ولا غرابة أن نجد هذه الدقة في الترجمة لدى القاسمي المعروف باهتماماته العلمية حول المصطلح والدراسات المعجمية.

من هذا المنطلق، فعودة القاسمي إلى "المعجم الموحد لمصطلحات الجغرافية" ليميز بين تيار Current ومجرى Stream تعد مسألة عادية، حرصا منه على الدقة العلمية في الترجمة.

* تركيز القاسمي على تركيبة الجملة العربية وأهميتها في تحديد المعنى، فعندما نضع الجملة في المبني للمجهول تكون لها دلالة مخالفة لوصفها في المبني للمعلوم، وهذا ما يُخل بمضمون القصة بأكملها وليس الجملة فقط. وهذه إحدى الملاحظات التي سجلها على ترجمة زياد زكريا "ب" في جملة " قد عَبَرتْ به 84 يوماً "، في حين فضل هو ترجمتها بجملة " قد أمضى 84 يوما "، " He hand gone eighty four days "؛ لأن الشيخ في القصة ليس شخصية سلبية غير فاعلة، بل يبذل جهدا كبيراً، ويوظف خبرته من أجل اصطياد سمكة، فهو فاعل وليس مفعولا به.

وبالتالي فترجمة الجملة بحيث يكون الشيخ في صيغة المفعول به وليس في صيغة الفاعل، تخل بالمعنى العام للقصة بأكملها وليس بالجملة فقط " "9ونفس الملاحظة سجلها على الجملة الثانية، "لم يَجُدْ عليه البحر بسمكة واحدة " " without taking a fish" والتي فضل القاسمي ترجمتها بعبارة " دون الحصول على سمكة "، ذلك أن البحر لا يَجُودُ على الشيخ بأي شيء"، فهو رجل عملي وعصامي وفاعل يرفض ثقافة الاستسلام، وقد تمكن بفعل عزيمته وإرادته وبعد 84 يوماً من الإبحار في اصطياد أكبر سمكة على الإطلاق، جعلت جميع الصيادين يستغربون من حجمها.

فهذه القصة تمجِّد روح العمل والاعتماد على النفس، وحينما يستعمل المترجم عبارة "يجود عليه البحر"، وكأنه سلبي ومجرد شخص يعيش على حساب البحر، وهذه ليست الغاية التي يريدها همنغواي من وراء قصته؛ وهذه الغاية التي تمجد روح العمل جعلته يرفض ترجمة Old man بالعجوز، وفضل ترجمتها بالشيخ؛ لأن الشيخ رمز للحكمة والرزانة، بينما العجوز رمز للهرم والخمول.

* حفاظاً على روح القصة، ظل القاسمي حريصاً على المحافظة في ترجمته على صيغ القول الواردة في القصة، خاصة صيغة الفاعلية والمفعولية، وصيغه المبني للمعلوم والمجهول، ويصغه الكلام المباشر وغير المباشر "10".

تتلخص إذاً مؤاخذة القاسمي على معظم الذين ترجموا "الشيخ والبحر" في كونهم لم يأخذوا بعين الاعتبار خصائص أسلوب همنغواي، ولا تقنياته السردية. ويلخِّص لنا القاسمي أسلوب همنغواي في العناصر التالية:

- السهل الممتنع.

- الاقتصاد في اللغة.

- عدم المبالغة.

- الحيادية في السرد.

- استعمال اللغة الإشارية والتلميح بدل التصريح.

- إشراك القارئ في العملة الإبداعية.

بالإضافة إلى توفر علي القاسمي على الكفاءة الأدبية والثقافية والاجتماعية بخصوص نصوص همنغواي والأدب الإنجليزي عموماً، وخاصة آداب القصة، فإن ترجمته لقصة "الشيخ والبحر" لم يكتف فيها بهذا الجانب فقط، بل ولكي يعيش أجواء القصة من خارج النص، توجه قبل ترجمتها إلى مدينة الصويرة المغربية، وقضى ليلة كاملة في مركب شراعي صغير يقوده صياد سمك، وذلك للاطلاع على أجواء البحر، والمفاهيم المرتبط بعالم الصيد والأدوات المستعملة فيه.

كما اقتنى شريطين سينمائيين أنتجهما هوليود لهذه القصة، أحدهما من بطولة سنسر تريسي، والآخر من بطولة أنطوين كوين "11".

ويعدّ هذا الاستعداد الأولي مسألة أساسية بالنسبة للقاسمي لتحقيق العملية في ترجمة الأعمال الإبداعية التي تعد ترجمتها من أصعب الترجمات.

من هنا نؤكّد أنه بحكم ثقته في قدرته العلمية تمكن القاسمي من ترجمة قصة "الشيخ والبحر" ترجمة علمية دقيقة تفوَّق فيها على الترجمات السابقة، والقارئ للدراسة النقدية التي ذيَّل بها النص المترجم، سيقتنع بالحجج التي قدمها القاسمي للدفاع عن ترجمته.

كما أن القارئ لهذه الترجمة سيحس وكأنه يقرأ قصةً من إحدى قصصه، لأن أسلوبه في الترجمة قريب من أسلوبه في كتابة القصة، وهذا راجع إلى التقارب بين أسلوبي: همنغواي وعلي القاسمي في كتابة القصة ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015