كما نمت في أشعارهم ظاهرة التدوير الَّتي لم تكن مألوفة في شعرنا العربي على امتداد عصوره، ويقوم معجمهم الشعري على أساس الوعي بالتراث العربي أدبًا ولغة وبيانًا، كما دخلت إلى معجمهم المفردات اليومية المأخوذة من حركة الواقع الاجتماعي، بالإضافة إلى لغة الحديث ومخترعاته وكشوفه في مجال الفيزياء والطب والكمبيوتر والتكنولوجيا بصفة عامة. أيضًا دخل شعراء السبعينيات إلى مجال المسرحية الشعرية، وقدموا عددًا من المسرحيات الشعرية.
كانت تلك الخصائص هي أهم الخصائص المشتركة الَّتي جمعت بين شعراء السبعينيات الذين أطلق عليهم الدكتور القاعود جيل الورد.
كما أورد الدكتور القاعود في نهاية كتابه ملحقًا به نماذج من شعر شعراء السبعينيات "جيل الورد" مثل: نشأت المصري، وفولاذ عبد الله الأنور، ودرويش الأسيوطي، ومحمد عبد الفتاح الشاذلي، وفوزي خضر، وأحمد مبارك، وعبد الستار سليم، وعزت الطيري، ومحمد عبد العزيز شنب، وناجي عبد اللطيف، وكان من المفروض أن يلحق هؤلاء بالسفر الأول فهم من جيل الورد.
ضجيج "الهالوك"
أما السفر الثاني من الكتاب "ضجيج الهالوك" لم يتبع الكاتب المنهج الَّذي اتبعه في السفر الأول مع جيل الورد، بل قدم مناقشة عامة لأهم القضايا والظواهر الَّتي تحكم كتابات هؤلاء الأدعياء وسلوكهم، ويرى أنهم ينطلقون من فكرة الحداثة، وهي في مفهومهم تُجاوز الماضي والحاضر جميعًا، وبناء شعر له خصائص جديدة، ولغة جديدة ومعايير جديدة، سواء في التركيب أو الصورة أو الموسيقا، أو حسب تعبيرهم ضرورة التجديد والمغايرة وفقًا للموجبات الإبداعية والاجتماعية للتجديد. ويرى الكاتب أن من أهم الأصوات الَّتي احتضنت فريق الهالوك (إدوارد الخراط،و (أحمد عبد المعطي حجازي)، ولكن عارض هؤلاء كثيرون مع أنهم كتاب ونقاد وشعراء متعاطفون مع التجديد أو الحداثة، فهم يرون أن المؤيدين لهذا الفريق لهم مآرب أخرى غير فنية .. هذا ما رأه الكاتب اللبناني جهاد فاضل في مقالات حجازي عن هؤلاء الشعراء فيقول: أما الحقيقة الكاملة حول هؤلاء الشعراء الشبان بدون زيادة وبدون نقصان، فهي أنهم أضعف فصيل من فصائل الشعراء الشبان في البلاد العربية قاطبة. ويستنكر إطلاق أحمد عبد المعطي حجازي عليهم أحفاد شوقي، بل هم أنفسهم كانوا أول من تبرأ من شوقي، ويرى أنه ليس بينهم وبين شوقي أية صلة، فهم ليسوا في العير ولا في النفير، ولا شأن لهم بالمعايير الفنية الدقيقة، وكذلك رأى الدكتور عبد القادر القط، والدكتور عز الدين إسماعيل، والدكتور كمال نشأت.
أما رجاء النقاش فيرى أن ما يكتبه هؤلاء جنسًا ثالثًا ليس شعرًا ولا نثرًا، وكان أول من تنبه إلى تفاهة كتاباتهم وهشاشتها!! فأغلب كتابات الهالوك غير مفهومة، وإذا فهم بعضها؛ فالمفهوم مجرد عبارات فارغة أو زخرفات تافهة المضمون ركيكة المبنى متكلفة الشكل سوقية المعجم. ويبين أن غاية جيل الهالوك النهائية تحطيم القصيدة العربية المألوفة تمامًا، فلا يرى فيها أثر للموسيقى أو التفاعيل، فضلاً عن إلغاء القافية تمامًا وتجاوز العمودي وشعر التفعيلة، والوصول إلى ما يسمى بقصيدة النثر. وكان موقفهم من النقاد بصفة عامة موقفًا عدائيًا رخيصًا، هبط إلى مستوى السب والقذف، وكذلك من الشعراء؛ فهم يرون في شعر فاروق جويدة مثلاً مرحلة استسلام الجمهور لشعر يشبه الكتب الجنسية الرديئة، وأغاني الميكروباص، وكانوا دائمًا عونًا للطغاة وعملوا في خدمة الأنظمة المستبدة والدعاية لها.
ثم يخلص الدكتور القاعود إلى أن جيل الهالوك لا يحق له أن ينتمي إلى أحمد شوقي ولا المتنبي ولا امرؤ القيس، وأنه أي جيل الهالوك وباء أصيبت به الحديقة الأدبية ينبغي استأصاله لتتفتح الورود والأزهار، وأن دعواه حول الحداثة مردودة عليه، فالذي يعاني من قصور واضح في النحو والصرف والعروض، لا يجوز له بحال أن يدخل ساحة الشعر النظيفة ويدعي أنه حداثي.
والكتاب في مجمله تجربة جديدة من أجل تصفية الواقع الأدبي من الشوائب، وتبصير محبي الشعر ودارسيه بالقيم والمعايير المتجددة الَّتي تنقي المناخ الأدبي، وتكشف للمتلقي ألاعيب الهالوك وخزعبلات المتشاعرين، وتفتح للورد منافذ التوهج والإشراق والحياة.
صدر الكتاب في طبعة مجلدة ومنقحة فاخرة؛ وظهر في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام 2009.
مؤلفات أخرى
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور حلمي القاعود واحد من أبرز نقاد الأدب الإسلامي. ولد سنة 1946م، ويعمل بوظيفة أستاذ النقد والبلاغة والأدب المُقارن في جامعة طنطا، ورئيس قسم اللغة العربية السابق بكلية الآداب جامعة طنطا المصرية.
وقد صدرت له مجموعة كبيرة من الكتب منها: النقد الأدبي الحديث .. بداياته وتطوراته، تيسير علم المعاني، الأدب الإسلامي .. الفكرة والتطبيق، محمد صلي الله عليه وسلم .. في الشعر العربي الحديث، المدخل إلى البلاغة القرآنية، القصائد الإسلامية الطوال في العصر الحديث .. دراسة ونصوص، تطور النثر العربي الحديث، مسلمون لا نخجل، حراس العقيدة، الحرب الصليبية العاشرة، العودة إلى الينابيع، الصلح الأسود .. والطريق إلى القدس، ثورة المساجد .. حجارة من سجيل، أهل الفن وتجارة الغرائز، التنوير .. رؤية إسلامية، الأقصى في مواجهة أفيال أبرهة، الإسلام في مواجهة الاستئصال، الصحافة المهاجرة، الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني، لويس عوض .. الأسطورة والحقيقة، الوعي والغيبوبة .. دراسات في الرواية المعاصرة، وجوه عربية وإسلامية، الرواية الإسلامية المعاصرة، شعراء وقضايا، الرواية التاريخية في أدبنا الحديث، الحداثة العربية .. المصطلح والمفهوم، وإنسانية الأدب الإسلامي ... وغيرها من المؤلفات الكثيرة والقيمة.
المصدر: موقع الإسلام اليوم.