ملتقي اهل اللغه (صفحة 11622)

«قواعد الشعر» لأبي العباس ثعلب .. نموذج لوعي نقدي مبكّر (مقال)

ـ[رائد]ــــــــ[22 - 02 - 2010, 07:25 ص]ـ

«قواعد الشعر» لأبي العباس ثعلب .. نموذج لوعي نقدي مبكّر

د. عباس عبد الحليم عباس - تكمن المشكلة في كتاب قواعد الشعر، في أنه ما من مصدر قديم ترجم لصاحبه العالم اللغوي أبي العباس ثعلب (ت. 291 هـ) أشار إليه، مما دفع بعضهم للشك في نسبته لثعلب. ويشير د. رمضان عبد التواب إلى ما يستشف منه أنه تتبع ترجمة ثعلب في كل مصادرها فلم يجد ضالته. ويمكن للمرء هنا أن يدلي بدلوه في مناقشة القضية وتقليبها على شتى وجوهها.

فالمخطوط، أولاً وقبل كل شيء، يحمل اسم ثعلب، ومن هنا فإن عدم ذكره ضمن المؤلفات التي أحصاها القدماء لثعلب لا يعني بالضرورة أن الكتاب ليس له، فهناك العديد من المصنفات لم تُذكر مع أصحابها في ترجماتهم، ومع ذلك فقد عُرفت بهم، وعُرفوا بها في ما بعد، وتجدر الإشارة إلى ملاحظة ربما تفيد في الموضوع، ولم يشر إليها رمضان الذي ذهب إلى أنه ما من مصدر ترجم لثعلب وذكر هذا الكتاب له، وهي أن بعض تلك المصادر كانت تشير بعد نهاية تعدادها لمصنفاته إلى ما لم تذكره من كتبه بقولها: وله أشياء أخرى، فربما كان هذا الكتاب من هذه الأشياء الأخرى.

أضف إلى ذلك أن ثعلباً نفسه عُني بالشعر وشرحه، إذ عمل قطعة من أشعار الفحول، وكتب كتاباً أسماه معاني الشعر، وذلك كله ليس ببعيد عن عنوان مثل قواعد الشعر. ودراسة الكتاب نفسه تبين أثر ذوق ثعلب اللغوي، وأفقه المحدود في تأويل الشعر وفهم مراميه البيانية، وجوانبه الجمالية لأسباب عديدة، منها مثلاً، عدم اهتمامه كثيراً بالنقد الأدبي، وعدم تفرّغه له، واتجاهه المدرسي التعليمي، وكذلك ثقافته البدوية التي رسخت في نفسه من خلال تعامله مع اللغة والنحو واشتغاله بهما.

على العموم، فإن طابع ثعلب وروحه في تآليفه وميله إلى الاختصار، ونزعته التعليمية، دلائل تبيّن ما لهذا الكتاب من صلة بأبي العباس ثعلب. وثمة استنتاج آخر يتبينه المرء من علاقة هذا الكتاب بعصر ثعلب، فهو كما يرى نولدكه في مجلة جمعية المستشرقين الألمانية: رسالة تقودنا إلى مجتمع اللغويين العرب في القرن الثالث الهجري، ولا يمكن -بحال من الأحوال - إنكار النشاط النقدي للّغويين، فأهل اللغة والنحو اشتغل معظمهم بالنقد، وعليه فإن بعض الروايات تشير إلى أن البحتري كان يحقّر من شأن ثعلب وأضرابه من اللغويين، بحجة أنهم يدخلون أنفسهم في ما لا علم لهم به، وهذه دلالة واضحة على أن ثعلباً عمل بالنقد بقدر ما.

بالعودة إلى الفترة التي خرج فيها هذا الكتاب، يمكن وصفه بأنه كتاب جديد في موضوعه، جديد في فنه يجمع بين الشعر والأدب، والنقد، والبيان وفق منهج بسيط، شكلاً ومضموناً، وهو من المحاولات المبكرة في مجال الدراسة البيانية للشعر، بل قد يُعدّ أول محاولة مستقلة لدراسة بيان الشعر وصلت إلينا. إن ثبت سبقه في هذا الميدان، فضلاً عن أنه دراسة امتازت بشيء من التنظيم، والاقتصار على موضوع واحد، يتيح لنا تصنيف هذا الكتاب ضمن نوع معين من أنواع النقد الأدبي وأصنافه.

ومع بساطة منهج الكتاب، وصغر حجمه، لا يحق أن يوسَم الكتاب بأنه لا يضيف إلى البحث البلاغي شيئاً يمكن الوقوف عنده، والسؤال هنا: ما الذي يمكن أن يضيفه هذا الكتاب، في حين لا يخفى علينا أن النقد الأدبي عند العرب عموماً لم يصدر عن منهج مستقيم وروح علمية في تعليل الأحكام، وذلك حتى أواخر القرن الثالث باستثناء بعض الفلتات التي كان يحسن أصحابها عندما ينظّرون، لكنهم لا ينجحون في التطبيق؟.

فهذا الكتاب جعل لصاحبه عند بعض الباحثين يداً على البلاغة، وجهداً -على ضآلته- يمكن أن يُحسب. فصاحبه ليس بلاغياً بحال من الأحوال، لذلك امتاز الكتاب بالخلط، ومحدودية الرؤية، وبالتالي خرج الكتاب ب طابع المحاولات الأولى، وكان من المصنفات المبكرة في موضوعه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015