ملتقي اهل اللغه (صفحة 11552)

اللغة الممكنة في مواجهة اللغة المستحيلة

ـ[حسن عجمي]ــــــــ[20 - 02 - 2011, 05:23 ص]ـ

ديفيد كريستل: " كتاب صغير في اللغة "

اللغة الممكنة في مواجهة اللغة المستحيلة

حسن عجمي

اللغة جسد الإنسان وهويته. لذا تختلف اللغات باختلاف البشر ويختلف البشر باختلاف اللغات. وبما أن اللغة هي الحقل الحيوي للإنسان فبها يحيا وبها يكون , إذن تتعدد وظائف اللغة بتعدد أبعاد الإنسان. فمثلاً, الإنسان مشاعر وأفكار, وبذلك من الطبيعي أن تكون اللغة تعبيراً عن مشاعر الإنسان وأفكاره. يرصد المفكر وعالم اللغة ديفيد كريستل في كتابه الجديد " كتاب صغير في اللغة " الوظائف العديدة والمختلفة للغة اعتماداً على التاريخ الفكري الطويل المعني بفلسفة اللغة وأبحاث العلوم الألسنية. وظائف اللغة كثيرة وعرضة للتغير والتطور والتدهور. فبينما تتحوّل اللغة إلى سوبر لغة في الغرب المعاصر, لم نتمكن نحن من تحويل اللغة إلى سلاح حربي نقاتل به بعضنا البعض فقط بل نجحنا أيضاً في اختراع لغة جديدة هي اللغة المستحيلة.

يوضح لنا كريستل الوظائف المتنوعة للغة منها أن اللغة وسيلة للتواصل والتفاهم بين البشر؛ فمن خلال اللغة فقط نتمكن من أن نتبادل المعلومات فننجح في التواصل والتفاهم فيما بيننا. لذا اللغة أساس بناء المجتمع والحضارة لأن بها فقط نتفق أو نختلف علماً بأنها الأداة الناجحة في إيصال المعلومات وتلقيها. وهذه الوظيفة الأساسية للغة تتضمن وظائف أساسية أخرى لها ألا وهي أن اللغة تشكّل وسائل للتعبير عن الأفكار والمشاعر والوقائع والحقائق. فبما أن اللغة أداة للتواصل والتفاهم بين الناس , وبما أن التواصل أو التفاهم بين البشر لا يتم سوى من خلال تعبيرهم عن أفكارهم ومشاعرهم وعما يوجد في الواقع أو ما قد يوجد , إذن اللغة كوسيلة للتواصل والتفاهم تتضمن بالضرورة وظائف اللغة المتمثلة في التعبير عن الأفكار والمشاعر والوقائع والممكنات. من الوظائف الأخرى التي تملكها اللغة وظيفة تغيير العالم وتشكيله. مثل ذلك هو عندما يعمّد رجل الدين المسيحي طفلاً من خلال طقس ديني جوهره قراءة آيات من الإنجيل أو النصوص المقدسة الأخرى حينئذ يغدو ذاك الطفل مسيحياً بفضل ما تم من قراءة لغوية. الشيء نفسه يحدث مع المسلم؛ فعندما يتلو الفرد الشهادتين مؤمناً بهما يصبح مسلماً. هكذا القراءة أو التلاوة اللغوية تخلق الحقائق وتشكل العالم. من الأمثلة على ذلك أيضاً أننا لا نعد أحداً بفعل شيء ما إلا إذا قلنا له نعدك بذلك , كما لا نعتذر فعلاً من أحد إلا إذا قلنا له نعتذر منك. هذا يرينا أن اللغة هي التي تقوم ببعض الأفعال وبذلك تغيّر العالم وتغيّرنا (عز وجلavid Crystal : صلى الله عليه وسلم Little رضي الله عنهook of Language.2010. Yale University Press).

بالإضافة إلى ذلك, يشير المفكر كريستل إلى أدوار أخرى تتخذها اللغة منها أنها تعبير عن الهوية. مثلاً, إذا استخدمنا اللغة العربية للتواصل حينها نعبّر ضمنياً عن أننا عرب أو ننتمي إلى الحضارة العربية. أما إذا استعملنا اللغة الانكليزية في تواصلنا الاجتماعي فحينئذ نعبّر عن أننا انكليز أو ننتمي إلى الثقافة الانكليزية. وهكذا بالنسبة إلى باقي اللغات. ويضيف كريستل أن دوراً أساسياً أيضاً للغة يكمن في أن اللغة تساعدنا في التفكير. مثل ذلك أننا إذا رددنا تعليمات صناعة أو تركيب آلة ما بصوت عالٍ , سوف يساعدنا ذلك في فهم واستيعاب تلك المعلومات ما يتيح لنا النجاح في بناء تلك الآلة التي ننوي تركيبها. لكن ليست كل وظائف اللغة جدية؛ فمن وظائفها أيضاً أنها تهدف إلى إسعادنا وإسعاد الآخرين. وظيفة اللغة هنا هي وظيفة ترفيهية. فمثلاً نستخدم اللغة من أجل إطلاق النكات والأحاجي كما نلعب باللغة منتجين نصوصاً لا معنى لها وهدفها الترفيه ليس إلا. وكما تشكّل اللغة العالم تجعلنا نفكر ونشعر؛ فمثلاً قراءة هذه الرواية أو تلك القصيدة تدفعنا نحو التفكير والشعور على هذا النحو أو ذاك (المرجع السابق). من هنا رفضنا للغة رفض للكون والتفكير والشعور, وهذا ما نعاني منه حالياً في عالمنا العربي. ولقد رفضنا اللغة لأننا نعتمد على لغة مستحيلة متناقضة وبذلك خالية من أي فحوى بدلاً من الاعتماد على اللغات الممكنة التي تراعي المنطق والعلم وتلتزم بهما.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015