لأن الغاية من ذلك كله، الوصول إلى الحديث الثابت الصحيح، والعمل به، والدعوة إليه، فهو غاية الحُجَّة، ونهاية المطلب، ولا حجة لأحدٍ على أحد بعد القرآن والحديث؛
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165].
وقد اختار العاملون في "المسنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" في طريقة جمع طرق الحديث النهج الذي ورَدَنا في "صحيح مسلم بن الحجاج"، يرحمه الله، وهذا أشرحه إن شاء الله في مشاركة قادمة.
أما موضوع هذه المشاركة، وهو إحالات ألفاظ الحديث، فقد اتبع العاملون في "المسنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" النهج الذي التزم به جَبل الدنيا، وإمام الأئمة، والرجل الذي حفظ على هذه الأمة صحيح حديث نبيها، محمد بن إسماعيل البخاري، رضي الله عنه.
ذات مرة كنت أخطب الجمعة، وشرفني بالحضور الدكتور بشار معروف، فقلت في الخطبة: إن الإمام البخاري رحمه الله خدم هذا الدين كما خدمه أصحاب رسول الله، إلا أنهم زادوا عليه بالصحبة، وبعد الخطبة قال لي الدكتور بشار: إن البخاري في المُحدثين، مثل أبي بكر الصديق في الصحابة، رضي الله عنهم جميعا، صغيرهم وكبيرهم.
وقد يظن البعض أن هذا من الغلو في علماء الأمة، وأقول: إن من يعيش حياته بين كتب الحديث سيصل إلى ذلك، مع اعتقادنا القاطع، بأن الأمة كلها، دون الصحابة، لا يصل قدرها بمجموعها إلى صحابي صغير فتحت عيناه على وجه محمد.
من فوائد "صحيح البخاري"، وهذا ناتجٌ عن فقه البخاري العالي للحديث، هو تقسيم، وإيراد الحديث الواحد، في أكثر من موضع، حسب تعدد الأحكام في الحديث الواحد.
وهذا قد التزم به أيضًا العاملون في "المسنَد المُصَنَّف المُعَلَّل".
فكما ورد في مقدمة الكتاب، بأن ترتيب الكتاب سار على المسانيد، فخرج مُسندًا، ثم تم تصنيف مسند كل صحابي على أبواب الفقه، فصار مُصَنَّفًا، ثم تم جمع ما تناثر من علل، ومراسيل، وفوائد تتصل بكل حديث، فكان مُعللاً.
والبخاري رحمه الله يأتي، مثلا بحديث سبعة يظلهم الله في ظله، فيذكره في أربعة مواضع من كتابه؛ في الصلاة؛ من أجل قوله: ورجل قلبه معلق في المساجد، وفي الزكاة، من أجل قوله: ورجل تصدق أَخفى حتى لاَ تعلم شماله ما تنفق يمينه، وفي الرقاق، من أجل قوله: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، وفي المحاربين، وهذه لاتخطر على بال أي مؤلف آخر سوى البخاري، لأنه ما علاقة هذا الحديث بالمحاربين، فبوب البخاري: باب فضل من ترك الفواحش، ثم ساق الحديث من أجل: وشاب نشأَ في عبادة ربه.
وهذا ما تم بفضل الله في "المسنَد المُصَنَّف المُعَلَّل".
تم وضع الحديث الذي يحتوي على عدة أحكام، مثل: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، ولا تُنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها.
تم وضعه في النكاح مثلا في مسند الصحابي الذي رواه.
ثم نأتي في كتب البيوع ونضع إحالة، هكذا تسبقها دائرة سوداء:
• حديث أبي حازم، سلمان الأشجعي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله:
«ولا يسوم على سوم أخيه».
تقدم
ثم نأتي في كتب الطلاق ونضع إحالة، هكذا تسبقها دائرة سوداء:
• حديث أبي حازم، سلمان الأشجعي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله:
«ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها».
يأْتي، إِن شاء الله تعالى.
وهكذا في الكتاب كله، وفائدة ذلك أنك عند البحث أينما ذهبت إلى أي موضع، فسوف تجد الحديث، أو ما يدلك عليه.
ـــــ,,,ـــــ
ويقول الأستاذ عادل عبدالعزيز إلحاق بالفائدة السابقة في نفس الموضوع في المتقى:
ولم تقتصر الإحالات على المتون فقط، بل امتد ذلك إلى تنوع طرق رواية الحديث.
فقد يأتي الحديث من رواية هِشام بن عُروة، عَن أَبيه، عَن ضُباعة بنت الزبير، رضي الله تعالى عنها، فيوضع في مسندها.
ثم يأتي الحديث أيضا من رواية هِشام بن عُروة، عَن أَبيه، عَن عَائِشة، فيوضع في مسند الطاهرة الطيبة أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
ثم يأتي الحديث هو هو، من رواية هِشام بن عُروة، عَن أَبيه، عَن أُم سلمة، رضي الله تعالى عنها، فيوضع في مسندها.
¥