ملتقي اهل اللغه (صفحة 11184)

أن عمل الشيخين الزاوي والطناحي لا يُعَدّ تحقيقا بل هو أقرب ما يكون إلى التصحيح والعناية والتدقيق، لأن الرجلين أقاما عملهما أساسا على تصحيح نسخة مطبوعة بعناية سابقة، وبالرجوع إلى ما نُقِل فيها من كتب السابقين وما نُقِل عنها في كتب اللاحقين.

ثم استعانا بمخطوطة متأخرة موجودة في دار الكتب المصرية ثم كتاب الغريبين وهو مخطوط كذلك.

وبعد الانتهاء من طبع النهاية عنت للمحققَيْنِ أمور فاستدركاها.

فالعمل برمته ملفق من تصحيح ومن تحقيق ناقص.

والمِلْكِية الحقيقية للكتاب عائدة إلى الناشر الذي هيأ لهما جميع عناصر العمل من مطبوعات ومخطوطات ومراجع، والأصل في ذلك وصفهما بالعمل لدى (دار إحياء الكتب العربية) فقد كانت هذه الدار تعمل على إصدار منشوراتها بتكليف منها أحيانا وبتلقي الأعمال المعدة للنشر استقلالا فالدار هي صاحبة حق النشر والمصحح ومعاونوه يعملون بأجر معلوم ولا يحملان عقدا بينهما وبين الدار غير عقد العمل ولولا ما آلت إليه الدار بعد وفاة صاحبها ما استطاع أحد القائمين على تصحيح (النهاية) ادعاءه لنفسه إلا بموجب قانون حق المؤلف الذي يقضي بمِلكية العمل العلمي من تأليف أو تحقيق أو ترجمة لصاحب الاسم الذي صدر الكتاب وعليه اسمه، فإذا سُجِّل الكتاب في دار الكتب المصرية عند أول إصدار لمؤلف معين أو محقق أو مترجم وخرج الكتاب للقراء بحيث يصير شائع التداول ويمضى زمن محدد بلا اعتراضٍ ولا ادعاء ملكية لآخرين:

عندئذ تثبت الملكية الأولى وتُتَّخذ دليلا في المحاكمات المختصة بالفكر.

وقد قلت ذات يوم:

كتاب النهاية لابن الأثير صدر منه ثلاثة أجزاء بتحقيق رجلين أولهما الأكبر سنا وتجربة هو العالم الليبي طاهر أحمد الزاوي، والثاني هو الطالب الناشئ محمود محمد الطناحي، وأصدرت الكتاب دار إحياء الكتب العربية: عيسى البابي الحلبي وشركاه سنة 1383 – 1963، وكان الزاوي رئيسا لقسم التصحيح والتحقيق في هذه الدار العريقة، والطناحي يومئذ طالب جامعي مصحح يتمرن ويعمل في الدار نفسها، ومن الزاوي تعلم الكثير من هذا الفن، ثم انفرد الطناحي بالجزء الرابع والجزء الخامس.

ويُلاحظ أن الطناحي عند الشروع في معاونة الزاوي آنذاك كان طالبا في كلية دار العلوم وتخرج ولم ينتهيا من تحقيق الكتاب، وتم الكتاب وصدر بعد تخرجه بشهور قلائل.

ولقد رأيتُني وكنت آنذاك طالبا بالمعهد الثانوي أمر هذه الدار لشراء بعض الكتب فأنظر في زاوية هناك غرفة ذات سياج زجاجي يجلس فيها المصححون لأداء عملهم فكنت أرى الشيخ الزاوي منكبا على كتاب بين يديه والطناحي أمامه لإجراء المقابلة الدقيقة التي تميزت بها إصدارات هذه الدار العريقة، ولا أذكر عملهما هذا أكان في كتاب النهاية أو غيره، ومن عجائب المقدور أني عملت مصححا بعض الوقت في هذه الدار نفسها منذ 1966وحتى تخرجي سنة 1969.

فالطناحي المصحح المتدرب على التحقيق يومئذ غير الطناحي الأستاذ الدكتور الذي حقق أمالي ابن الشجري وكتاب الشعر لأبي علي الفارسي وأحد عشر كتابا غيرهما.

فكيف يجوز نسبة المحقق إلى طائفة المحققين وهو مبتدئ لم تكتمل لديه أسباب الصناعة؟

وكيف يُنسَب إليه عملٌ هو شريك فيه ولم يقم به منفردا؟

أليس لشريكه رأيٌ في خطة التحقيق وأدائه في المقدار الذي اشتركا فيه؟

وأيضا أليس للدار الناشرة حق في إبداء وجهة النظر في المِلكية أو على أقل تقدير في حق الشركة؟

وأخيرا وبعد مضي نحو نصف قرن يصدر كتاب النهاية مُحققا تحقيقا يلفت الأنظار في عشرة أجزاء وجب أن ننظر في العملين للموازنة واستنباط الحُكم الذي يرضي الضمائر قبل التسرع بالمديح وتصحيح أنساب الكتب مثلما نفعل في تصحيح أنساب البشر.

وبالله التوفيق

ـ[منيب ربيع]ــــــــ[13 - 02 - 2014, 08:08 ص]ـ

كنت قد كتبت هذه الكلمة لأنشرها في الملتقى، ورأيت قبل أن أن أنشرها أن أعرضها على اثنين من علماء هذا الملتقى أحدهما هو الأستاذ منصور مهران ـ جزاه الله خيرا ـ وقد أرسلت إليه الكلمة فرد عليّ ناصحا بأن أعرضها للنشر.

وبعد أن عرض الأساتذة أقوالهم أودّ أن أقول: إنني بالفعل أعرضت عن الظاهرِ الثابتِ، وأعملت الحدْسَ، والظنَّ، واستنمت إلى التفرُّسِ، والعاطفةِ ـ كما قال الأستاذ فيصل المنصور، وهذا كله خطأ كان مني لم يعد إلى تداركه من سبيل. ولكني لم أقصد من الخطأ إساءة إلى الأستاذ الطاهر الزاوي ـ رحمه الله ـ، وكنت أحسب أن في هذه الكلمة إنصافا للأستاذ محمود الطناحي ـ برد الله مضجعه ـ وتشبها به في إنصافه لأهل العلم ووفائه لهم وبره بهم، وقديما قيل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فلاح.

ومهما يكن من أمر فإني أوجه الشكر أصدقه وأخلصه وأجزله لقراء الملتقى الكرام، وأخص منهم الأستاذ الجليل منصور مهران ـ نفع الله به ـ

ـ[منصور مهران]ــــــــ[13 - 02 - 2014, 07:24 م]ـ

..........

وبعد أن عرض الأساتذة أقوالهم أودّ أن أقول: إنني بالفعل أعرضت عن الظاهرِ الثابتِ، وأعملت الحدْسَ، والظنَّ، واستنمت إلى التفرُّسِ، والعاطفةِ ـ كما قال الأستاذ فيصل المنصور، وهذا كله خطأ كان مني لم يعد إلى تداركه من سبيل. ولكني لم أقصد من الخطأ إساءة إلى الأستاذ الطاهر الزاوي ـ رحمه الله ـ، وكنت أحسب أن في هذه الكلمة إنصافا للأستاذ محمود الطناحي ـ برد الله مضجعه ـ وتشبها به في إنصافه لأهل العلم ووفائه لهم وبره بهم ...

حاشاك من الخطإِ

وفي حدْسِك خير

وفي ظنك بِر:

فقد فتحتَ باباً للمناقشة تخوَّف أن يلج فيه كثيرٌ من الناس،

ولكنه بابٌ يعين على كشف ما انغلق على جيل لم يشهد سلفه ويحب أن يعرف عنهم شيئا من السِّيَر - وكما قيل المعاصرة حجاب - ولقد تبادلت حواراتٍ حول هذا الكتاب وزمن صدوره فلم أجد علما عن خفايا أمره عند بعض الجيل الماضي وتعجبت من شأنهم في ذلك، لذلك شكرتك إذ أتحت للقراء فرصة المناقشة وفرصة الاطلاع على شيء من تاريخ صناعة الكتاب ومهنة الكُتاب والمحققين والمترجمين.

ثبت الله قلوبنا على الحق وأنطق ألسنتنا بالصدق.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015