ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[03 - 01 - 2011, 07:56 م]ـ
مقدمة الكتاب بقلم حفيد المؤلف مجاهد مأمون ديرانية
المقالة الأولى في هذا الكتاب كتبها فتى في العشرين من عمره اسمه علي الطنطاوي، والأخيرة فيه كتبها شاب في السادسة والعشرين يحمل الاسم ذاته وبين عشرين وست وعشرين كتب علي الطنطاوي ونشر سائر مقالات هذا الكتاب. هذه أولى الحقائق التي أرجو أن يذكرها قارئ هذا الكتاب وهو يطوي صفحاته ويتنقل بين مقالاته والثانية أن هذه المقالات قد كُتبت ونشرت كلها أيام الانتداب الفرنسي على الشام يوم كان الأمر والنهي للفرنسيين وبيد مفوضهم السامي الحكم والسلطان.
فمن الأولى جاء ما سترونه في مقالات هذا الكتاب من حدة وشدة وهما صفتان غالبتان في سن الشباب ومن الثانية تولدت تلك الروح الوطنية الوثابة التي تملأ مادة الكتاب كله. ومن ثالثة سواهما: الشجاعة التي كانت من صفات علي الطنطاوي الظاهرة شجاعة كثيراً ما وصلت إلى درجة التهور، من هذه الثالثة جاء ما تجدونه من صراحة وجراءة قد يُعجب كثيراً من الناس صدورهما عن شاب في مثل تلك السن وفي مثل هاتيك الظروف.
ومن علة رابعة، من النشأة الأولى التي وفقه الله إليها حين أنشأه في بيئة علم ودين جاء ما تحفل به عامة مقالات الكتاب من عاطفة إسلامية فيّاضة وحماسة دينية فوّارة. أما ما تفيض به كثير من المقالات من اعتزاز بالعربية وغيرة عليها واستماتة في الدفاع عنها فقد نشأ عن علة خامسة غير كل ما ذكر، عن حادثة جليلة مما لا يمر في أعمار الأمم الطويلة إلا مرات معدودات فأي شيء هذا؟
في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من نيسان (أبريل) سنة 1909 (السادس من ربيع الثاني 1327) خلع الاتحاديون السلطان عبد الحميد الثاني وبذلك انتهت أيام الخلافة العثمانية وبدأ عهد الاتحاديين. وبعد ستة وأربعين يوماً من ذلك اليوم المشؤوم ـ الذي آذن بنهاية آخر إمبراطورية إسلامية في التاريخ المشهود ـ ولد علي الطنطاوي فقدّر له أن يعيش سني طفولته المبكرة تحت سلطة الاتحاديين الذين سعوا إلى تتريك الممالك الإسلامية غير التركية من عربية وغيرها والذين قذفوا الدولة العثمانية المريضة في محرقة حرب لا ناقة لها فيها ولا بعير فأجهزوا عليها وسقطت أراضيها كلها ـ إلا قليلاً ـ في أيدي المستعمرين الأوربيين.
لقد كانت تلك السنوات عجافاً عانى فيها الناس في الشام من عسف الاتحاديين ودفعوا من أرواحهم وأقواتهم ثمناً لسياستهم الخرقاء. وحين أرادوا تتريك الولايات العربية التي كانوا يحكمونها أعلنوا الحرب على اللغة العربية فثمَّ نشأ في نفس علي الطنطاوي هذا الحرص الغريب عليها والحمية الشديدة لها. قال في مقالة له اسمها (عام 1960) (وهي منشورة في كتاب هتاف المجد): كنا ونحن صغار نرى الحكام كلهم من الترك لهم السيادة ولهم التكرمة ولهم النعيم ولغتهم التركية هي اللغة الرسمية فمن كلمهم بالعربية ازدروه واحتقروه ودروس المدرسة تلقى بالتركية فمن لم يعرفها ويفهم بها عاقبوه وأسقطوه! وكنا نسمع بآذاننا احتقار " ابن العرب " وسبه وتقديم التركي وتعظيمه! كنا من حكم الاتحاديين المارقين في ظلام فأصبحنا يوماً فإذا الظلام قد انقشع وإذا العلم الأحمر الذي كان يرفرف على بناية السويقات حيث كان الشباب يساقون إلى الموت في سبيل الألمان وكان الأموات من الجوع مرميين في الطرقات إذا هذا العَلَم قد اختفى وعُلّق مكانه علمٌ جديد له أربعة ألوان وإذا الهتاف الذي كنا نلزم به كل صباح قد خفت وانقطع وارتفع مكانه هتاف جديد ما سمعنا بمثله من قبل: الهتاف بحياة الاستقلال العربي ".
¥