عبد الحميد قد تخرج به وسلك طريقه ونسخ على منواله، ومن المعروف أن سالما هذا " نقل من رسائل ارسطاطاليس إلى الاسكندر ونقل له وأصلح هو " كما يقول ابن النديم (?) ، وأن رسائله التي عرفها ابن النديم كانت نحو مائة ورقة. وعلى هذا يصح أن يقال إن سالما أتاح لعبد الحميد الاطلاع على أدب سياسي منسوب إلى يونان. وقبل المضي في تبيان هذه الناحية أبادر إلى القول بأن تلك الرسائل ليست صحيحة النسبة إلى أرسطاطاليس، وإنما نحلت له، ولكن العرب ظلوا قرونا طويلة يتكئون عليها ويقتبسون منها دون أن يخالجهم شك في نسبتها. وتحتاج عبارة ابن النديم شيئا من المحاكمة فقوله " نقل " يعني أن سالما كان يعرف اليونانية أو السريانية حتى يقوم بهذا العمل، ثم قوله " ونقل له وأصلح هو " يشير إلى أنه اعتمد على جهود بعض المترجمين والنقلة، وهذا يعني أحد شيئين: أن سالما لم يكن يعرف إحدى اللغتين وهذا شيء يبطله قوله " ونقل " أو أن مشاغله الكثيرة في الدولة جعلته يستعين في بعض ما نقل بأحد النقلة، فهو على التوجيه الأخير قد قام بعملين بالنقل المباشر والإصلاح لما نقله غيره، ومعنى الإصلاح هنا منح المنقول في الأسلوب وصوغه في قالب بليغ مقبول، بحيث يلتبس بأسلوب سالم نفسه عندما ينشئ، أو يقاربه كثيرا. وعندي أن عبارة ابن النديم يجب أن تقرأ " نقل؟ أو نقل به " وأن الشك في أي الأمرين هو الذي حدث يعود إلى ابن النديم، وعلى ذلك فإن المرجح أن سالما لم يكن يحسن اليونانية أو السريانية، وإنما حكم أسلوبه البلاغي في ما أعانه به بعض المترجمين. وأي الأمرين كان فإنه يشير إلى جهود مبكرة في النقل، قبل أن يبدأ عصر الترجمة المنظم، ولهذا ما يؤيده في شهادة أخرى أوردها المسعودي، فقد ذكر أنه رأى عام 303 كتابا باصطخر يشتمل على علوم كثيرة من علوم الفرس وأخبار ملوكهم وأبنيتهم وسياستهم وأن ذلك كان مما ترجم لهشام بن عبد الملك في سنة 113هـ؟ (?) ، فلم يكن نقل الرسائل المنسوبة إلى ارسطاطاليس هو الجهد الوحيد الذي تم في أواخر الدولة الأموية، وحسبنا أن نتذكر جهود ابن المقفع في النقل عن الفارسية، وأنه من غير الممكن أن يكون قد تنبه لذلك أو باشره في السنوات القليلة التي عاشها في ظل الدولة العباسية (?) .