لما كانت الزوايا التي تحاول هذه الدراسة أن تلم بها متعددة، لم يكن من الطبيعي أن تستقطبها نواة واحدة مشتركة من المصادر، تعد أصلا تتفرع عنه سائر المصادر والمراجع، فربما كانت إشارة صغيرة في كتاب كبير لا علاقة مباشرة له بالثقافة اليونانية ذات أهمية بالغة في لفت نظر القارئ إلى حقيقة كبيرة؛ ولهذا كان على الدارس ألا ييأس من تتبع المصادر على اختلاف موضوعاتها ومنتمياتها، وإن أدى به الأمر إلى أن لا يعثر على شيء يستند المقولة الكبرى في بحثه. وأنا على يقين من أن التفلية الدقيقة لمصادر أخرى لم يتح لي أن أطلع عليها، رغم ما بذلته من جهد شاق في تتبع المصادر الميسورة، سواء منها ما أثبته في قائمة المراجع وما لم أثبته، جديرة بأن تضيف إلى هذا الموضوع استطلاعات جديدة، وفي كل حين تجود الأيام بمستكشفات لم تكن متيسرة، وينتفي القول التعميمي: " ما ترك السالف للخالف شيئا " انتفاء تاما.
وهنالك حقيقتان لا بد من الإشارة إليهما لاتصالهما اتصالاً مباشرا بالتيار العام في هذه الدراسة؛ أولهما أن عهد الترجمة لم ينتظر مجيء المأمون، ولا كان وليد رغبته الجارفة في الثقافة الهيلينية، وإنما كان قد بدأ قبل ذلك بكثير، في فترة ما في الدولة الأموية (بين سنتي 105 - 132) ، والشواهد على ذلك مثبتة في مقدمتي على عهد أردشير (?) ؛ وقد اتجه البحث إلى هذه الناحية، وظهرت فيه نتائج طيبة، وإن لم تبلغ بعد مرحلة القول الفصل في هذا الأمر (?) ؛ وفي سبيل تأكيد هذا الاتجاه، وقفت عند المحتوى اليوناني؟ في أدب الرسالة - كما يمثله عبد الحميد الكاتب. وثانية الحقيقتين ظاهرة المنافسة بين أنصار الثقافة الفارسية وأنصار الثقافة اليونانية (?) ؛ ففي المرحلة