من أشعارهم لم ينظموه في وقت نظمه وعندهم فكرة في مقدمتين ونتيجة، وإنما هذه أوضاع توضع ويطول بها مصنفات كتبهم في الخطابة والشعر (?) ".
فإذا انتقل ابن الأثير إلى ميدان آخر ذي شواهد واضحة فارقته غلواؤه، وهذا الميدان هو الأدب الفارسي، ففي معرض حديثه عن الفرق بين الشاعر والناثر، وأن الأول إذا قال قصيدة من مائتي بيت أو أكثر لا يجيد في كل بيت، وأن الكاتب مهما يطل فهو مجيد في كل ما يأتي، التفت إلى الشعر الفارسي فقال: " وعلى هذا فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليها. فإن شاعرهم يذكر كتابا مصنفا من أوله إلى آخره شعرا، وهو شرح قصص وأحوال ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم، كما فعل الفردوسي في نظم الكتاب المعروف بشاهنامه، وهو ستون ألف بيت من الشعر، يشتمل على تاريخ الفرس، وهو قرآن القوم، وقد أجمع فصحائهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه، وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها، وعلى أن لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر (?) ". وليس هذا موضع مناقشة ابن الأثير في المقارنات المختلة التي يجريها هنا، وإنما أوردت ذلك للدلالة على أنسه بالمعرفة لما يجري عند الفرس، حين كان صيت الشاهنامه ذائعا، والبنداري قد ترجم بعضها إلى العربية (بين 615 - 624) ، ونفرته من الأدب اليوناني، لجهله به وعدم وجود نماذجه لديه، وربما كان ابن الأثير يعرف الفارسية، فهناك في أقواله ما يوهم أنه كان يعرفها ويعرف لغات أخرى من بينها اليونانية، وإذا كان من الممكن التسليم بمعرفته للفارسية، لشيوعها في العصر الأيوبي، فمن المستبعد أن تكون اليونانية بين اللغات التي يعرفها (?) .