وهذه المقامة تنظر في عنوانها إلى كتاب وضعه أثنايوس النقراطسي (صلى الله عليه وسلمthenaeus of Naucratis) بعنوان " مأدبة الحكماء " (the عز وجلeinosophists) وهي مأدبة أقامها رجل ثري ودعا إليها عددا كبيرا من المثقفين في جميع الفنون، فكان بينهم الفيلسوف والمؤرخ والشاعر واللغوي والخطيب والقاضي وجرى فيها الحوار على الطريقة السقراطية، وشمل ما يتعلق بالطعام من أسماك ولحوم وخضار، وما يتعلق بالشراب من ألوانه وأسماء كؤوسه وغير ذلك من أمور (?) .
وإذا كاناثنايوس قد استطاع أن يجمع إلى المأدبة المتخيلة عددا من ذوي الاختصاصات المتنوعة، في مدينة روما، والحياة الثقافية فيها مزدهرة، فإن ابن بطلان قد اقتصر على عدد من المشتغلين بالصناعة الطبية، ولم يستطع أن يجعل بغداد مكانا لتلك الدعوة إذ كان قد فارقها وأكثر المفكرين فيها قد ماتوا، من أمثال ابن الخمار وابن عبدان ونظيف القس وابن بكس وأبي الوفاء المهندس، وإنما جعل ميافارقين ساحة لها أيام دولة أبي نصر أحمد بن مروان الكردي، وقد كسدت سوق الصناعة الطبيعة لسببين: كثرة الدخلاء فيها، ثم تغلب الصحة على المرض وانكشاف الوبأ والعلل عن الناس منذ أن ملك أبو نصر، ذلك الرجل الميمون النقيبة (?) .
وتتخلص قصة المقامة في أن رجلا (هو ابن بطلان نفسه) فارق بغداد وقصد ميافارقين، وفي نيته أن يدخل عمر (دير) الزعفران ليرتسم بالطب وليلقى راهبا هنالك فيتزود ببركة دعائه، وفي طريقه في ميافارقين أرشد إلى دكة بالعطارين عليها شيخ من أبناء السبعين، فيتحدث إليه الشيخ عن كساد صنعة الطب عندهم، وعندما يعرف أن