إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون هم يقرنه الحاتمي بقول أرسطو: " من لم يردك لنفسه فهو النائي عنك وان كنت قريبا منه، ومن يردك لنفسك فأنت قريب منه وان تباعدت عنه " (?) ، بينا يقرنه ابن هندو بهذه الحكمة: " الذي [لا] يقبل الحكمة هو الذي ضل عنها وليست هي الضالة عنه " (?) ، وقد مر بنا قول المتنبي " ووضع الندى في موضع السيف؟ " وان ابن هندو يراه مشبها لقول من أقوال من أقوال أفلاطون، وهو مختلف عن القول الذي يورده الحاتمي لأرسطو (?) ، كذلك استقل ابن هندو بإبراز الشبه بين قول المتنبي " أعيذها نظرات منك صادقة؟ البيت " وبين قول آخر لإفلاطون، ولم يتنبه الحاتمي لذلك. وكل هذا يدل على أن ابن هندو لم يتأثر بالرسالة الحاتمية لأنه؟ فيما يبدو - لم يعرف عنها شيئا.
وأقدم نقل عن الحاتمية نجده لدى ابن حمدون صاحب التذكرة (?) (562/ 1166) إلا أنه لا يسميها، ولا يذكر الحاتمي، وقد يعد عمل ابن حمدون مضللا لأنه اهتم بإيراد الحكم المنسوبة لأرسطاطاليس اكثر من اهتمامه بإيراد ما يقارنها من شعر المتنبي، وبذلك كاد يخفي أخذه من الحاتمية ويوهم من يقرأ كتابه أنه يعتمد مجموعة من مختارات الحكم، ولما كانت هذه الحكم التي أوردها الحاتمي ليست جميعا لأرسطاطاليس، فقد أكد ابن حمدون هذا الاضطراب في نسبتها، ومن الغريب أن ابن حمدون أورد هذه الحكمة: " الذكر في الكتب عمر لا يبيد " ونسبها لأفلاطون وأعقبها بقول المتنبي المشابه لها (?) ، مع أنها في الحاتمية لأرسطاطاليس (?) ، فكأنه إنما كان في هذا الموطن ينقل عن مصدر آخر، أو كان ضحية للسهو والوهم.