آثرت صحبي، فلم استنطف ما في الإناء، وتركت لصاحبي الوزير أبي عبد الله ما قدرت أنه لا يرويه، فشرب ثم ناول أصحابنا فشربوا بجملتهم، وليس منا من ترك الإناء إلا وهو يرى أن ما أفضل لا يروي صاحبه، ثم أفرغ لنا وتوضأنا، وكثر الله ذلك القليل فكفانا، وما عاينت بركة ولا كرامة ظاهرة لأحد من شيوخنا في سفر إلا تلك، وصلى بنا جمعا على سنة الجمع، وفي الصبح أيضا مثل ذلك فلم نحتج إلى تيمم، وبتنا خير مبيت في أنعم بال وأفضل حال، وقدم لنا يسير كسر مع نتفه من إدام كان فيه يسير خيار، فحصل لنا الري والشبع والصلاة بطهارة الماء ومماشاة ذلك الفاضل والاقتداء به في القفول من عرفة إلى منى، كما حصلت مماشاة الفاضل أبي محمد المرجاني في التوجه من منى إلى عرفة شرفهما الله، نحمد الله على جميل عوائده، وجزيل فوائده، فهو أهل الحمد والشكر.
فلما صلينا الصبح أتينا المشعر الحرام فوقفنا به حتى أسفر جدا، ثم دفعنا إلى منى، وعندما وافينا بطن محسر، وهو واد بين مزدلفة ومنى، أمرنا بالإسراع عنده وهو قدر رمية بحجر وضبطه بكسر السين وتشديدها، أسرعنا، كذلك حتى قطعنا عرض الوادي، ومن كان راكبا فحكمه أن يحرك دابته.
قال الإمام أبو عمرو رحمه الله: وأول مُحسّر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى، ثم يخرج منه سائرا إلى منى، سالكا للطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة، وليس وادي محسر من المزدلفة ولا من منى، وهو مسيل ماء بينهما، وقيل سمى محسرا لان فيل أصحاب الفيل حسر في ذلك الوادي أي أعيا، يقال: حسر البعير بكسر السين إذا أعيا فكأن ذلك الموضع حسر الفيل، أي جعله