الله به، الواصل معنا، من تونس في المركب، فصلينا العصر جميعا، وأشار بموافقة الجمهور في التوجه تلك الليلة إلى عرفات والمبيت بها وتركهم سنة المبيت بمنى لتوقع ما يخاف من الأعراب في أطراف النهار وأعقاب الناس، ويحذر من انتهابهم بما قل من العدد ولم يستصحب شيئا من العدد، ومن تأخر من الناس أو انفرد وانسلالهم بين تلك الشعاب، وتوغلهم في الجبال بحيث يتعذر الإيحاف عليهم بخيل أو ركاب، فوقع العزم على التوجه، وكان رأيا مباركا والحمد الله، فقدمت له راحلته، فعزمت عليه في الركوب، فأبى إلا أن يسايرني إلى عرفات، ووضع يده في يدي، فسرنا جميعا إلى عرفات فوافيناها عند غروب الشمس، فذهب هو مع صحبه لموضع نزوله، وانفردت أنا مع صحبي، وبتنا تلك الليلة بعرفات، وعلى إثرنا انتهب قطاع العرب بعض من تأخر من أهل الركب، وكان منهم لمن دافعهم قتل وسلب، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ورأينا في تلك الليلة عجبا فيما ابتدعته العامة من الاستعداد والاحتفال بوقد الشمع بطول تلك الليلة، بالجبل القائم في وسط عرفات المعروف عند العرب القدماء بإلال، وهو جبل مرتفع، في أعلاه مسجد، تنصب به رايات أمراء الركب، وقد صنع له درج بالبناء من أمامه ومن خلفه، فيرتقى إليه على طريق وينزل من أخرى، وربما التقى فريق مع فريق فيغص الجبل بالصاعدين والنازلين، وهو يتأجج نارا، ويتموج كالبحر زخارا، والطرق إليه بالشموع في بسيط عرفات، كالسطور المذهبات، تتصل به من كل الجهات، وأنت إذا نظرت إليه على بعد من الخيمات، تراه كشعله واحدة، وما يطول من الشمع كأنه ألسن متعاضدة، فترى عجبا، صلدا عاد ذهبا، أو صار لهبًا.