قواعد سعده، وهي رسالة صدرت له جوابا عن مجموع رسالتين، وردتا عليه، إحداهما أرجأ جوابها حتى وردت عليه أخرى، فجاوب عنهما معا، بدأتها: «لم يزل المملوك متشوقا لمشاهدة محياه الذي تهدي المسار إلى القلوب أساريره ويود الصحب لو استمدت من تألق بشره تباشيره، ويبهر عين الشمس إشراقه، فينقلب إليها بصرها خاسئا وهو حسير، وتظل متحيرة في درج مطالعها فلا تدري إلى أي جهة تسير، والى تقبيل يده التي جارى جود السحاب جودها فكبا، ورام البحر أن يكون أخا لنوالها فانف وأبي، وانتظمت قلائد مننها فزانت أجياد الأجواد، ومد نيل نيلها فكان لرفع الإعدام عن العفاة بالمرصاد، ومتشوقا لمراسمه التي تتجدد بورودها عليه رسوم سعوده، ويورق بوفادات إفاداتها إليه يابس عوده، وتجعل فرق الفرقد لقدم تقدمه نعلا، وتثبت له في العبيد اسما لما كان امتثاله لأوامرها فعلا، وتنفث في روع حاله بتعهدها روح الانتعاش، وتبرز حظه من الإقبال في أبهر حلي وأبهي رياش، وتأخذ بيده لترفعه في حضيض الخمول إلى أوج النباهة، وتحله من قلوب الصدور بما تحله له من نفاسه الوجاهة، إلى أن ألقي إليه كتاب كريم انطوت طوية ضميرة على سر بر يلحق المأمور في الإحسان بأميره عتب به الزمان، وكان من قبل لا يصغى للعتاب، وجنح مما جنى من تجنبه على بغية إلى المتاب، ففضه عن سطور كأنها سموط در أضحى الدرج لها درجا، وإذا أنعم النظر فيه كان المهرق سماء وكل معنى كوكبا وكل لفظة برجا، فاستحشد خواطر أفكاره واستنجدها، وسألها الإعانة على سلوك طريق استصعبها في جوابه واستبعدها، فجاس بها خلال ديار الألفاظ مهملها ومستعملها وأثار بها دفائن المعاني مفصلها ومجملها، فما وجد فنا من بعيد البديع البارع، ولا نوعا من ترصيع التصريع الرائع، إلا وقد ذل لمولانا صعب قياده وأطاعه، وبذل لمراده من مواتاته جهد الاستطاعة، فبينما المملوك متردد الفكر في تلفيق ما يؤدي به واجب الجواب، وجمع ما عساه يصيب به غرض الصواب، إذ تلاه كتاب تليت فيه سورة الإحسان، وجليت منه صورة الحسن، ورويت به عطاش الأذهان حتى ظن أنه صيب المزن، فلله منشيه لقد أنشأ القلوب، بما أنشأ وأطربها بها، وأودع