ملء العيبه (صفحة 326)

إجماعات العلماء كذلك، وهذه نكته نفسية نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن.

والله اعلم.

انتهى ما أردناه من كلام الإمام أبي عمرو رَحِمَهُ اللَّهُ وآن أن نذكر ما عندنا في ذلك فنقول والله المرشد: هذا الذي سلكه شيخنا رضي الله عنه في هذه المسألة من الاعتماد على ما في الصحيحين هذا المسلك من الظن الراجح فيما ذاكره أو أحدهما على ما خرجه غيرهما هو أرجح المذاهب وأحسنها، وهو أظهر من دعوى ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ الإجماع على صحة ما فيهما أو في أحدهما بناء على قوله إن الأمة ظنت صحتهما وظن الأمة معصوم، فإن الارتهان في الإجماع صعب، وغايته أن يدعي أنه إجماع استقرائي وحاصله شهادة على النفي بأنه لم يجد أحد من الأئمة مطعنا فيما فيهما أو في أحدهما إلا في تلك الأحرف اليسيرة التي هي خارجة عن هذا الإجماع، وهي التي تكلم عليها الدارقطني وغيره مما هو معلوم عند أهل هذا الشأن، ويلزم من دعوى الإجماع على صحة ما فيهما أن يكون ما فيهما أو في أحدهما ما عدا تلك الأحرف مقطوعا بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده، وإنما يبقى الترجيح في مفهوماته، ونحن نجد علماء الشأن يعرضون لأحاديث كتابي البخاري ومسلم ويرجحون بعضها على بعض باعتبار من سلم رجالهما من التكلم فيه على من لم يسلم، وبغير ذلك من وجوه الترجيحات النقلية، ولو كان الجميع مقطوعا به ما بقي مسلك للترجيح.

فهذا يعارض الإجماع الذي استقرأه ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ فتأمل ذلك، فهي مسألة نفيسة جدا تمس الحاجة إليها، وعلى ما قرره الشيخ أبو الفتح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015