للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كانا جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض، انتهى ما أردناه من كلام الشيخ أبقاه الله.
وكان هذا المنزع الذي نزعه شيخ والده أَبُو الْحَسَنِ المقدسي من قوله: هذا جاز القنطرة، تبع فيه الإمام الحافظ أبا الفضل محمد بن طاهر المقدسي، رَحِمَهُ اللَّهُ في عمله كتابه الذي جمعه في أسماء من احتوى عليه الصحيحان من الرجال، حيث اكتفى في ذلك بالتعريف بأسمائهم، وكناهم، وأنسابهم، ما يتعلق بذلك وموالدهم ووفياتهم، ومن روى عنه، ومن روى عنهم، من غير تعرض لكلام من تكلم في بعضهم، أو تعديل من اتفق على تعديله منهم، غير أنه ألم بيسير من تعليل بعض الحديث المتكلم في علته.
انتهى وقد سلك الإمام الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ نحوا من هذا المسلك، وضيق على نفسه بما لا يخلص معه في مخنق الاعتراض الذي أوردناه عليه فلنورد كلامه بنصه، ثم نذكر ما عنده في ذلك مما ظهر لنا، وبه يظهر أن كلام شيخنا أبي الفتح أظهر من كلام الإمام أبو عمرو بن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ، ونص ما قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، في النوع الأول من أنوع علوم الحديث، بعد أن قسم الحديث الصحيح أقساما ما نصه: هذه أمهات أقسامه، وأعلاها الأول، وهو الذي يَقُولُ فيه أهل الحديث كثيرا: صحيح متفق عليه، يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه، لكن اتفاق الأمة لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول، وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ، وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر