يصح الترجيح لأنها مسالك ظنية.
تنبيه بني ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ كلامه على أن الأمة إذا ظنت شيئا لزم أن يكون ذلك واقعا في نفس الأمر، فيكون عنده مدلول الظن المجمع عليه يصيره الإجماع معلوما وإلا لم يتم له قصد، ولنا أن ننازع في ذلك ونقول: إنما ذلك راجع إلى أنها إذا أجمعت على شيء أنه مظنون فظنها معصوم بمعنى أن ذلك الشيء لا يمكن أن يكون مشكوكا، ولا معلوما ولا مجهولا، وإذا أخذناه على هذا المعنى لم يلزم ما قاله ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ.
تنبيه ثان: من أئمة الشأن من سلك مذهبا أضيق مما سلكه الشيخ الإمام أبو الفتح رَحِمَهُ اللَّهُ، وقال: إنه لا يجوز التقليد في التصحيح والتسقيم لأنا في اتباع من حكم بالصحة أو السقم على حديث وتقليده في ذلك كاتباعنا لمن قَالَ: الحكم في هذه المسألة التحريم أو التحليل، لأن كل واحد منهما أخبر عن ظنه، ولا يلزمنا تقليد أحد، وهذا المسلك مسلك صحيح واضح لا ينسد إلا بما ادعاه الإمام ابن الصلاح من الإجماع، فإن متبع الإجماع ليس بمقلد ولكن هذا الإجماع كما بيناه مصادم بعمل العلماء في أعمال الترجيح، وقد سلم الإمام بن الصلاح ما يدل على هذا المعنى وينقصر عليه في قوله في الفائدة الثالثة من هذا الباب فقال: إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا.
وأي ترجيح يكون مع القطع بصحة الجميع وبأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله.
وكأن ابن الصلاح قَالَ هذا قبل أن يظهر له ما قرره بعد من أن عصمة ظن الأمة يلزم عنها القطع بالمظنون، أو يتأول قوله: أنه أراد أصح صحيحا من حيث الرجال ووجود الشروط المتفق عليها مستوفاة أو أكثرها لا من حيث المتون، ولكنه خلاف الظاهر فتفهم هذا كله فإنه مهم خاف، والحاجة إليه ماسة، والسالكون مضيق التحقيق أفذاذ قليلون، والكثير يسلك المسلك السهل الرحب، وينكب عن الصعب الضيق، والله المرشد لواضح السبيل بمنه.