ليل كأن مداه عكس أحرفه ليل وليل فلا طول ولا قصر إلى أن تمكن الملل، وترادف الكلل، وتعذر بعض الأصحاب عن المشي، فأركبته وسرت على ما بي، فيا لها ليلة ما أطولها، فلما تمادى المسير ظن بعض ذلك الركب أنهم أخطأوا الطريق لأنهم كانوا قدروه أقرب مما وجدوه فعرسوا من آخر الليل، وكان الجمال الذي معنا بصيرا بالطريق لكونه كان من أهل ذلك الموضع فأمعن المسير، فما كان إلا اليسير، فتراءت لنا كنار الحباحب، فتارة تبدو وآونة تخفى عن المراقب، فاتخذناها أما، وجعلنا نعمل إليها اعتناء بشأنها، فما راعنا إلا تباشير الفجر، وقد أديل العسر باليسر، وقد وافينا بركة الحجاج، وقد أحدثت الباعة عليها حوانيت وأفرانا، واتخذوا من الخبز أصنافا وألوانا، فنزلنا على جانب البركة، وهو غدير كبير يمتلئ من فيض السيل فلشدة التعب بركنا حتى لم نطق القيام إلى الماء مع أنه قريب من اللهوات، سهل التناول بالأيدي كيف بالأدوات، فقام من كان فيه بعض نشاط من الأصحاب إلى بعض تلك الحوانيت، فجاء بخبز لم تبرد ناره وتفتر. . . . . . . فإنه لم يفارق ضرعه واستملى من ذلك الماء العذب ووضعه بين أيدي الصحب فأكلنا وشربنا حتى كدنا نسرف، وعدنا إلى ما لم نزل من فضل الله وتيسيره نعرف، ثم قمنا لأداء الفرض، وقد أسفر الفجر، وعظم بفضل الله الأجر، ثم استرحنا ساعة إلى أن أشرقت الشمس، ونشطت النفس، وتلك صبيحة يوم الأحد الثالث لشهر صفر، وهذه البركة بينها وبين مدينة القاهرة نحو من اثني عشر ميلا، وعندها يجتمع الركب وينصب الأمير رايته عند التوجه للحج، وعند القفول منه، وهناك يتلقى الناس القادمين، وكنا أول وفد قدم فرأينا