ثالثاً: (ونثبت عند اللقاء): أي: عندما تكون هناك حرب لا نولي الأدبار، ولكن نثبت؛ ولذلك سيدنا عبد الله بن أم مكتوم الذي نزلت فيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] أتى في القادسية وقال لسيدنا سعد: أريد أن أقاتل معكم، قال: ليس على الأعمى حرج، إن الله وضع عنك الجهاد، إنك لست مكلفاً بالقتال! فقال: أريد أن أقاتل فأرزق الشهادة في سبيل الله ثم قال: أنا أمسك راية الجيش وأنا كفيف لا أرى، إن غلبتم فإنني لن أتحرك، طالما يرى المسلمون الراية مرفوعة يقاتلون بإذن الله فرفع الراية يوم القادسية ورزقه الله الشهادة، ومن أخذ الله منه نعمة العينين لا يجد له جزاء يوم القيامة إلا أن يبيح له وجهه الكريم ينظر إليه بكرة وعشياً! يعني: الشخص الذي يأخذ الله عز وجل منه الحبيبتين يكافئه الله، والله عز وجل سمى العينين حبيبتين يقول في الحديث القدسي: (ما أخذت من عبدي الحبيبتين إلا ولم أجد له جزاء في الجنة إلا أن أبيح له وجهي، ينظر فيه بكرة وعشياً).
(وعينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله) فالذي غض بصره عن محارم الله، فإن الله عز وجل يمنع النار من الوصول إلى عينيه فغضوا أبصاركم عن عورات الناس، يغض الناس أبصارهم عن عوراتكم، ومن غض بصره كشف الله بصيرته، وأعطاه نوراً في البصيرة.
كان بشار بن برد كفيفاً، فقال له رجل: أتعرف بيت أبي حنيفة؟ قال له: نعم، قال: صفه لي، قال: اسلك ثلاث منحنيات، وهو في المنحنى الرابع، البيت الثاني على الشمال، بشار يصف للذي يرى بعينيه، فقال له: ربما أتوه، تعال لتقودني، الذي يرى بعينيه يقول لـ بشار الكفيف: تعال دلني وأنا أمشي وراءك، فـ بشار يمشي وهو ماسك بيد الرجل، ويقول: أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم قد ضل من كانت العميان تهديه فضحك بشار وقال: ومن جعل الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، يثبت عند اللقاء؛ ولذا يقول علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق -يعني: كانت المعركة شديدة- نحتمي بظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان كل الصحابة يختبئون وراء النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة يتعلمون الرماية، وكان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً) أي: تعلموا الرمي من أجل أن تكونوا متعلمين فنون القتال.