ثانياً: (والشكر عند الرخاء).
بالنسبة للصبر عند البلاء هذه سهلة، أتعرفون ما الأصعب منها؟ الشكر عند الرخاء؛ لأن الناس عندما يوسع الله عز وجل عليهم حالهم كما قال الله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء:83].
سيدنا أيوب عليه السلام مكث مبتلى ثماني عشرة سنة لا يتحرك، إنك إن ابتليت تقول: ما هذا؟! ألم ينفع الطب؟ احضروا لي دكتوراً، أعطوني دواء، إنني قد ضقت من رقدة السرير، يا رجل! خفف قليلاً، إن هذا من الذنوب التي عليك، فهي تمحى بصبرك على المرض، فإبليس دخل على أيوب وقال: يا أيوب! لو كنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يفرج عنك ما أنت فيه، ألست نبياً؟ قال: يا إبليس! إنني في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: وأين هذه النعمة؟ شخص مشلول لا يتحرك والحشرات تدب عليه، ولا يستطيع أن يذبها عنه؛ لأن الشلل وصل إلى يديه أيضاً.
فقال: أنا في نعمة الرضا عن الله، قال لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، فأنا راض بما قسم الله لي، يا إبليس! عشت سبعين سنة صحيح البدن، وأستحي أن أطلب من الله الشفاء بعد ثمانية عشر عاماً من المرض أمام سبعين عاماً من الصحة.
وامرأته ذهبت تحضر الدواء فتأخرت عليه، فحلف بالله أن يضربها مائة جلدة، وهو لا يستطيع أن يتحرك، لكن نفسية المريض مثل الطفل، يريد من كل أحد أن يداريه، ونسأل الله أن يصبر كل إنسان مريض، ولأن هذا المريض يحتاج إلى رعاية ومتابعة وصبر، وانشراح صدر.
والمسلم عندما يموت وهو مريض خير من أن يموت وهو صحيح؛ لأنك عندما تموت وأنت مريض تموت وأنت ذليل لله، تقول: يا رب! اشفني، فيستجيب الله لك الدعاء بأن يشفيك من مرض الدنيا كله ويأخذك إلى رحمته، وأنت لو تعرف الحقيقة لرأيت أن ما عند الله خير مما عندك في الدنيا، وأولادك لهم رب لا يغفل عنهم ولا ينام.
فعندما تأخرت زوجته نزل سيدنا جبريل، وقال له: اضرب برجلك في الأرض، قال له: وهل أستطيع أن أتحرك، قال له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:42]، فضرب برجله فخرج نبع من الماء، قال له: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]، اشرب واغتسل، فأخذ من الماء الذي نبع تحت رجله، فشرب واغتسل فرجع أيوب مثلما كان، فدخلت امرأته تقول له: يا أخانا! ألم تر أيوب زوجي؟! يقول لها: أنا أيوب، تقول: من أيوب؟ يقول لها: أيوب الذي كان مريضاً.
تعالي أنا حلفت أن أضربك مائة جلدة، لماذا تأخرت؟ فهذه المرأة الصابرة أكرمها الله عز وجل وقال: يا أيوب! خذ عثكولاً من عثاكيل النخل فيه مائة شمراخ واضربها به ضربة واحدة: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44].