أولاً: تحدثنا عن الصلاة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى توعد الذي يسهو عن صلاته، وكيف أن الله لا يقبل الذي يسهو في صلاته، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5].
قال أهل العلم: من السهو عن الصلاة: أن يجمع الظهر مع العصر، أو العصر مع المغرب، أو المغرب مع العشاء بدون عذر، فإنما يدخل يوم القيامة وادياً يسمى وادي ويل، هذا الوادي تستعيذ النار منه كل يوم مائة مرة من شدة حره.
فقال أحد الصحابة لـ عمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين! فما بالك بمن لا يصلي؟! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أسبغ وضوءه، وأتم ركوعها وسجودها، لفت كما يلف الثوب الأبيض، وترتفع إلى الله قائلة لصاحبها داعية: حفظك الله كما حفظتني، ومن لم يسبغ وضوءها، ولم يتم ركوعها ولا سجودها، تلف كما يلف الثوب الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني).
وقال: (ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رأسهم شبراً، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: عاق لوالديه)، فالعاق لوالديه يحافظ على الصلاة في جماعة، فيقول الله: قبلت صلاة الجماعة إلا صلاة فلان، فيقول: لماذا يا رب؟! يقول الله: عاق لوالديك، والعقوق حده كلمة أف، فكم تسمع كلمة أف من ولدك في اليوم؟ ففي الأكل ستمائة أف، سبحان الله! وهناك عقوق من نوع آخر، وهو عقوق الوالدين لأولادهم، دخل رجل على أمير المؤمنين عمر وقال: يا أمير المؤمنين! ولدي يعقني، فدعا عمر ولده وقال: يا فلان! لم تعق أباك؟ قال: يا أمير المؤمنين! قال صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) فاختار أبي أمة تزوج منها فأنجبتني، فأنا أعير بها أمام أصحابي.
وتجلى أن امرأة فنانة مطربة، سألوا ابنها: هل أنت سعيد أن والدتك فلانة؟! قال: بالطبع، الحمد لله أن أمي فلانة، أنا فخور بها، ولو لم أكن ابنها لتمنيت أن أكون ابنها.
فمن حق ابنك عليك قبل أن يخلق أن تختار له الأم الصالحة.
ثم قال عمر: وماذا بعد؟ قال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (علموا أبناءكم القرآن) وأبي ما علمني، فانظروا إلى هذا الذي يبحث عن حقوقه.
فقال عمر: وماذا بعد؟ قال: (أحسنوا تسمية أبنائكم) وأبي سماني جعراناً.
جعران وخربوش وخيشة وحمار وقط وحيوان وخروف، وكأن الأسماء انعدمت، لقد كان في الزمان القديم عندما يريدون أن يلاعبوا أولادهم يقول الواحد منهم: سيدة أبيها، وسيدة الأهل، وعين أبيها دخلت، وعين أبيها خرجت، ومنهم من يقول: أنا عندي سيدة الناس، وهذا أحسن من سيسي وميمي وفيفي، وهناك سيدة محترمة عمرها سبعون سنة اسمها (ميمي هانم).
قال: أحسنوا تسمية أبنائكم، وأبي سماني جعراناً، فأعير به أمام أصحابي، قال عمر: يا هذا؟ أنت عققت ولدك وولدك لم يعقك، أي: يقول: إن العقوق انقلب الآن.
ومن العقوق أيضاً: أن البنت يهديها الله وتتحجب، وتلبس خماراً، فيعترض الأب والأم، وهذا عقوق من الوالدين.
ويتقدم لها زوج صالح لا يرضون به؛ لأنه ملتحٍ، أو صاحب مساجد، ويقولون عنه: هؤلاء الذين هدموها، هؤلاء الذين خربوها! فمن الذين عمروها؟! نحن لنا أربعون سنة أو خمسون سنة لم نعمرها؟ أبداً، إنما الذي يعمرها هم الشباب الصالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشاب الذي ينشأ في طاعة الله يباهي الله به ملائكته).
يأتي الله بالأغنياء وبالفقراء وبالشباب يوم القيامة، هؤلاء الثلاثة أصناف الذين لم يطيعوا الله سبحانه، فيقال: أنتم يا أغنياء! ما منعكم أن تصلوا وتصوموا؟ فيقولون: شغلتنا أموالنا يا ربنا! فيقال: أأنتم كنتم أغنى أم سليمان بن داود؟ يقولون: لا، سليمان كان أغنى، فيقول الله: ما شغله غناه عن ذكري لحظة.
ويقول للشباب: أأنتم أجمل شباباً وفتوة أم يوسف؟! يقولون: بل يوسف، فيقول الله: ما شغله شبابه عن ذكري.
فيقال: وأنتم يا فقراء؟ فيقولون لم نجد ما نأكل، كنا نركض وراء لقمة العيش، فيقال: أأنتم أفقر أم عيسى ومحمد؟ فيقولون: بل عيسى ومحمد، قال: ما شغلهما فقرهما أبداً عن ذكري لحظة.
إذاً: أصبح الرسل علينا حجة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً، ومن لم يحافظ عليها حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة المجرمين لأن الذي يشغلك عن الصلاة إحدى هذه الأربع: الملك، الوزراة، الغنى، التجارة، فمن شغله ملكه عن الصلاة فهو مع فرعون والعياذ بالله رب العالمين.
ومن شغلته وزارته فهو مع هامان، ولذلك جمعهم الله في قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:8] فالجندي يقول: أنا مسكين وعبد مأمور، وستظل عبداً مأموراً إلى متى؟! كن عبداً لله، ولا توطئ هامتك إلا لله؛ فمن دخل على غني أو على عظيم فتضعضع له لغناه أو لعظمته فقد ذهب ثلثا دينه.
فعليك ألا توطئها إلا لله عز وجل، ولأهل التقوى والاستقامة وأهل العلم، هؤلاء الذين نحترمهم ونجلهم، ولكبار السن أيضاً، فأول ما تنظر إلى شخص قد شاب رأسه فكن مؤدباً معه في الكلام، ولا ترفع صوتك عليه، بل ضعه في منزلة والدك.
دخل رجل على أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك فقال هشام: عظني أيها الرجل؟! قال: يا أمير المؤمنين! اتخذ كبير المؤمنين أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ابناً، فبر أباك، وصل أخاك، واعطف على ابنك.
فالحاكم يكون كبير السن أباً له يبره، والذي مثله في السن أخوه فيصله، والذي أصغر منه ابنه يعطف عليه، فالأمور بهذه الطريقة ستستقيم.
فإن قيل: الذي يسرح في صلاته ماذا يفعل؟
صلى الله عليه وسلم لنتخيل أنك شاعر، والشاعر هذا مرهف الحس، ويحب أن يؤلف الشعر في جو رومانسي، كذلك الفنان نفس القضية، تخيل أن هذا الشاعر يريد أن يقول قصيدة أو يؤلف قصيدة، أو الفنان يريد أن يعمل شيئاً، أو المخترع يريد أن يخترع شيئاً، فجاء تحت شجرة عليها عصافير، وكلما يفكر في الموضوع فإن صوت العصافير يشغله، فيخرجه من التفكير الذي هو فيه، فيشد نفسه ويعود إلى الفكرة مرة أخرى وإذا بصوت العصافير يشغله، فهنا يختار أحد الأمرين: إما أن يترك المكان، وهو لا يستطيع أن يترك المكان، أو يقطع الشجرة، ولو قطع الشجرة فإن العصافير ستهرب، فيأتي آخر ويقول: صدر قرار جمهوري بمنع قطع الشجرة.
فيقول أهل العلم: شجرة الشهوات عليها عصافير الهوى، فشغلتك عن الله في الصلاة، ومن أجل أن تكون صادق النية وفكرك مع الله عز وجل اقطع شجرة الشهوات لتقع عصافير الهوى ويصير قلبك مع الله.