إذاً: إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع الحياء فلا تجده إلا مقيتاً ممقتاً، فالله عز وجل عندما يحب عبداً ينادي جبريل: يا جبريل! إني أحب عبدي فلاناً فأحبه، فيقع حب العبد عند جبريل، فينادي جبريل في الملائكة: يا ملائكة السماء، يا ملائكة الأرض! إن ربكم يحب عبده فلاناً وأنا أحبه فأحبوه، وذلك لأنه رئيس الملائكة، فهو الرئيس الذي يصدر أوامره للملائكة كلها.
فسيدنا جبريل يقول: (أحبوه)، فيحبونه، وبعد ذلك يوضع له القبول في الأرض.
ولذلك عندما من الله على سيدنا موسى قال له: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، أي أنه لا أحد يرى موسى إلا أحبه، إلى درجة أن فرعون كان يحبه وهو عدو له.
وحين أتوا به من الصندوق قذف الله حبه في قلب زوجته، فقالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9]، فقال لها فرعون: لك أنت وحدك، قال سيدنا الحبيب: (لو قال لها: قرة عين لي ولك لهداه الله)، ولكن قال لها: لك أنت وحدك.
مثل الرجل الصالح الذي أراد سفراً وامرأته حامل، فقال: اللهم إني أستودعتك ما في بطنها.
وسافر، فرجع، فقالوا له: البقاء لله، فإن امرأتك قد ماتت.
فقال: سأزور القبر، فذهب فسمع صوتاً بداخل القبر، فقال لهم: متى ماتت؟ فقالوا له: ماتت قبل يومين، ففتح القبر، فلقي الرضيع بجانب أمه الميتة، فأخذ الرضيع فصاح، فأغلق القبر فسمع صوتاً يقول: يا فلان! استودعت ربك ما في بطنها فوجدته؛ لأن وديعة الله لا تضيع.
فسيدنا موسى كان صغيراً لا يقدر على شيء، فقالوا: كيف نعمل به؟! فقال: اتركوه لا تقتلوه، وأحضروا من يرضعه.
وكان الأمر قد صدر من السماء وهم لا يعلمون: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:12]، فأتت أخته فقالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12]، فقيل لها: ائتي بها الآن.
فأحضرت أم سيدنا موسى، فقيل لها: خذيه وأرضعيه، وكانوا من قبل يحضرون له مرضعات فيرفض، وحين أتت أمه التقم ثديها، فقال فرعون: أنا أشك في أن هذه أمه، فهل أنت أمه؟ فقالت له: نحن قوم لا يرفضنا الأطفال، فهاتوا أي ولد وضعوه على صدري.
فكلما أتوا بولد رضيع ووضعوه على صدر أم سيدنا موسى يمسك بصدرها ويرضع، فقالوا: هذا صحيح.
وبعد قليل كبر سيدنا موسى ثم ضرب فرعون على وجهه، فشك فرعون، فقال: سأعمل له امتحاناً.
فأحضر تمرة وجمرة لينظر أين سيضع يده، أعلى التمرة أم على الجمرة؟ فأراد موسى أخذ التمرة، فنزل جبريل فأخذ يد سيدنا موسى ووضعها على الجمرة، ومع ذلك لم يكن فرعون مطمئناً؛ لأنه رأى رؤيا تفسيرها أن ولداً من بني إسرائيل سيكون على يديه زوال ملك فرعون.
وبعد ذلك قالت أم موسى: إن كنتم تريدون إرضاعه فأحضروه عندي، فصرفوا لها مرتباً عالياً من القصر الملكي.
وهنا مسألة، وهي عندما ترضع زوجتك ابنك هل ستعطيها أجرة؟ إن الواجب عليك أن تعطيها أجرة فالإسلام يقول: من حقوق المرأة على زوجها أن تأخذ أجرة الرضاعة.
ففي الفقه أنني أعطي زوجتي أجر الرضاعة، وإذا لم تأخذ فإنه إذا مص الطفل من صدر أمه مصة كتب لها حسنة وحط عنها سيئة ورفع لها عند الله درجة.
فالحاصل أن الله إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض، وكذلك إذا أبغض عبداً فإنه يبغضه جبريل، وتبغضه الملائكة، ثم توضع له البغضاء في الأرض، فكل واحد يقول: إن فلاناً هذا دمه ثقيل على قلبي، لا أحبه أبداً.
فاللهم اجعلنا من الذين تحبهم، واجعلنا من المتاحبين فيك يا أرحم الرحمين.