فالله عز وجل إذا أراد بعبد هلاكاً -والعياذ بالله- نزع منه الحياء.
والحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، وأن تعد نفسك مع الموتى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى.
وإذا كان المسلم عنده إيمان فإن عنده حياء.
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام)، وأنا سأضرب لك مثلاً: أدخلت المرأة المستشفى وأولادها الخمسة جالسون بجانبها يخافون أن تموت أو يحدث لها شيء، وذلك من باب البر بالأم، ففي هذه اللحظة تستغل حنان الأم فيها، وعندها بنت واحدة، فتقول لأولادها: اسمع يا محمود، اسمع يا أشرف، اسمع يا أحمد، اسمع يا عبد الغني، أنتم تعرفون أن فاطمة أختكم هي الورطة التي وسطكم، فيقولون: مري يا أماه! فتقول: إذا كنتم موافقين أن يكون ذهبي لأختكم، وكل الذي في الدولاب لأختكم أتوافقون على ذلك؟ فبالله عليك ماذا سيقول الأولاد في هذه اللحظة! لاشك أنهم سيوافقون حياء وإحراجاً، فهذه الفلوس والذهب والأشياء التي أخذتها فاطمة حرام، لأن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام؛ ولأنها استغلت سيف الحياء لتأخذ موافقة مشكوكاً في أمرها من أولادها وهم غير راضين.
(ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء، فقال له: دعه؛ فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، والحياء شعبة من الإيمان، فمن كان عنده إيمان سيكون عنده حياء.
وقد كان في الزمن الماضي شيء اسمه: (حياء العذارى)، فعندما يذكر الزواج أمام بنت تحمر وتخضر وتصفر وتختبئ من أبيها، وأما الآن فإن البنت تجلس وتضع رجلاً على رجل وتفكر في فتى أحلامها، وتذكر الشروط، كأن يكون ممشوق القوام، وشعره أسود، ونحو ذلك.
ولكن في زمن حياء العذارى كان إذا تقدم الرجل لبنت يقول الأب لامرأته: جاء خاطب، فتدخل المرأة لتكلم البنت، هكذا كانت الأمور، وكل بيوتنا كانت هكذا، وكان الناس إذا دخل الواحد منهم بيت غيره يغض البصر، ويظل واقفاً، وهذه هي الآداب الإسلامية، أي أن أظل واقفاً في البيت الذي دخلت ضيفاً فيه حتى يشير صاحب البيت إلى الكرسي الذي أجلس فيه، فليس أنا الذي أختار الكرسي؛ لأن الضيف أسير إلى درجة أنني عندما أبيت في بيت صاحبي وأحب أن أصبح صائماً أستأذنه؛ لأنني أسير.