ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فرفضوا الإيمان به، فأخرجوا صبيانهم وغلمانهم ومجانينهم وخدمهم ليقذفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وزيد بن حارثة رضي الله عنه كان معه يحميه من كل اتجاه حتى سالت قدما رسول الله الشريفتان بدماء غزيرة.
فسيدنا زيد قال له: يا رسول الله! استرح في ظل هذا البستان، وكان صاحب البستان ابني ربيعة فتحركت له رحمهما، فبعثا مع خادم لهما قطفاً في طبق من عنب، وهذا الخادم يدعى عداساً، فقرب العنب بين يدي رسول الله فقال: (باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه) هكذا كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام.
فسمع عداس هذه العبارة وما سمع بها قط في الطائف؛ لأن الطائف كانت مركز اللات الذي هو الصنم الكبير في الجزيرة، كما أن مركز هبل كان في مكة، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20] فقال عداس: (والله! إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله: ومن أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: أنا نصراني من نينوى -وهي في شمال العراق- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بلد العبد الصالح يونس بن متى؟ قال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه).
ثم وضع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ظهره إلى جدار البستان فقال: (اللهم أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماء والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، لك الحمد حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
فترتج السماء لهذا الدعاء فينزل ملك الجبال ويقرئه من الله السلام، ويقول له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت، والمراد بهما جبلي مكة والطائف، فقال رسول الله: يا ملك الجبال! لا تفعل عسى رب العباد أن يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة إلى مكة، فكان رسول الله يقرأ سورة الرحمن ويسمع زيد بن حارثة، ثم يقول له: (يا زيد! إن الله ناصر دينه ورسوله)، وإذا به يعلم بعد ذلك أن الجن قد آمنت به، فإذا كان قد كذبه الأنس فقد صدقه الجن.
ولما أراد أن يدخل إلى مكة، وقف الكفار على مداخل مكة ليمنعوه من الدخول، فأرسل إلى الأخنس بن شريق لكي يجيره ويكون في حمايته فرفض، ثم بعض إلى سهيل بن عمرو ثم إلى المطعم بن عدي وكان أحد عظماء مكة وكان كافراً فرضي، فجاء بأبنائه السبعة يحملون سيوفهم ويحيطون برسول الله.
إن الله ليؤيد هذا الدين برجال لا خلاق لهم، فربنا له جنود لا يعملهم إلا هو.
فجاء المطعم بن عدي بأبنائه يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف حول البيت سبعاً، ثم بات في بيت المطعم ثم رد عليه جواره.
ثم ماتت خديجة رضي الله عنها الزوجة الصالحة التي هي عبارة عن أم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليها، والتي كانت الصدر الحنون للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله عندما يذبح ذبيحة يقول: (أرسلوا إلى صويحبات خديجة).
ورحب مرة بامرأة عجوز، فسئل عنها فقال: (لقد كانت تزورنا أيام خديجة).
وهذا من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لبني جنسه، بل للمخلوقات الأخرى كالجذع الذي كان يخطب بجانبه، وعندما صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فيهتز أحد فيقول له: (اثبت أحد فإنما فوقك نبي وصديق وشهيدان).
وكان يقول: (أحد جبل يحبنا ونحبه)، فبذل الحب لجبل أحد لأن فيه أحبابه دفنوا فيه؛ وهم شهداء غزوة أحد.
وشكا الجمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (من الذي ينضح بهذا البعير؟ قال شاب من الأنصار: أنا يا رسول الله، قال: أحسن إلى بعيرك فإنه يشكو إليّ أنك تحمله فوق طاقته).
اتقوا الله في البهائم العجماء فإن في كل كبد رطب أجراً عند الله سبحانه وتعالى.