وبعد علامات الساعة الصغرى تأتي علامات الساعة الكبرى، ولو جاءت أول علامة من علامات الساعة الكبرى فلا تنفع التوبة، قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158] فقد قفل الباب، فأول ما تظهر يغلق باب التوبة.
وأول علامة هي: أن تطلع الشمس من المغرب، ثم ظهور الدابة، وأيهما ظهر أولاً فالأخرى على أثرها، والدابة ذكرها الله في كتابه في قوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82].
والدابة هذه اسمها الجساسة، فتجوس في الأرض، وتدخل على الناس في الحرم من باب السلام معها عصا موسى وخاتم سليمان، فتخطم - تلمس - بعصا موسى وجه المؤمن فيبيض وجهه، وتلمس وجه الفاجر والفاسق والمنافق بخاتم سليمان فيسود وجهه، يعني: تعلوه كآبة، فينسى الناس الأسماء ويتعاملون بيا مؤمن ويا كافر، ثم يظهر الدخان، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ} [الدخان:10]، أي: وارتقب يا محمد! أنت وأتباعك: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان:10 - 11]، أي: يصبح الناس يجدون الدنيا مثل ضباب الشتاء، وهذا الضباب أو الدخان على رأس المؤمن كالزكام البسيط، وعلى رأس الكافر والمنافق والفاجر كنيران تغلي، اللهم سلم يا رب العباد! ثم يظهر المسيح الدجال، ومصيبته كبيرة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه في كل صلاة، حتى أن عمر كان يقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثنا على المنبر عن المسيح الدجال، فكنت أنظر خلفي مخافة أن يأتي ليجلس بجواري.
وأما صفة المسيح الدجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعور كأن عينه طافية كالعنبة، يرى المؤمن مكتوباً على جبهته كافر، عندما تمتنع السماء عن المطر والأرض عن الإنبات، يقول: يا سماء أمطري فتمطر، يا أرض أنبتي فتنبت، يا ضرع امتلئ لبناً فيمتلئ، اقلص فيقلص، ويقول: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فلا يضره بإذن الله).
والمسلم عندئذ لا يملك طعاماً ولا شراباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام المؤمنين يومها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمهم الله به كما يلهمون النفس، وأكثر أتباعه اليهود والمنافقون والنساء، حتى يعود الرجل إلى بيته فيحبس أمه وزوجته وأخته وابنته؛ مخافة أن يخرجن من خلفه فيتبعن المسيح الدجال).
ولا يسلط عليه أحد إلا المسيح عليه السلام، فعندما يراه يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله المسيح ثم يدخل المسيح على المسلمين في المساجد فيقدمه الإمام فيقول المسيح: لا، إنما جئت تابعاً لأخي محمد، ليصل بكم إمامكم، فيصلي خلف الإمام عليه السلام.
ثم بعد ذلك يأمر الله عيسى بأن يحرز عباده إلى جانب الطور، ثم بعد ذلك يأتي يأجوج ومأجوج، وهي العلامة السادسة من القرآن.
ولا يوجد أهم من أن نعرف علامات الساعة، فهو موضوع خطير جداً، فيظهر يأجوج ومأجوج كما قال الله: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:96 - 97] فيدعو عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين عليهم، فتأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت فتأخذ يأجوج ومأجوج فيلقونهم في البحر، ثم تمطر السماء، ويقول الله للأرض: ردى بركتك، ثم يقبض الله أرواح المؤمنين، فلا يبقى على الدنيا إلا لكع ابن لكع، وعليهم تقوم الساعة.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتوفنا على الإسلام، واجعل خير أعمالنا خواتيمها يا أكرم الأكرمين! وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، تبنا إلى الله.
ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.