أما من حيث المخالفة للمنهج السلفي في طرائق العمل الدعوي ووسائله وطبيعته ومنهجه، فيدخل في ذلك الجماعات الدعوية المعاصرة، والتي تحتسب غالباً في الصف الإسلامي بجميع مناهجها وتصوراتها، واتفاقها جملة على نصرة الإسلام، والسعي الحثيث لإقامة خلافته الراشدة من جديد، والمعادون للإسلام ودعوته يقفون منها كلها موقف العداء الصراح والخوف من توجهاتها وأهدافها، وهم لا يفرقون حقيقة الأمر بين الموافق منها للمنهج الإسلامي والمخالف في كثير أو قليل، فهي عندهم تمثل المشروع الإسلامي برمته، والمتأمل لواقع هذه التوجهات الدعوية والتجمعات يظهر له وجوهاً كثيرة مختلفة في طبيعة العمل والدعوة للإسلام حيث وجود الاختلافات السائغة وغير السائغة، والبدع والخلط بين الحق والباطل، والتي رجعت على جهود كثيرة من العاملين للإسلام بنوع من التردي أحياناً، والتناحر والتشاحن أحياناً أخرى، وأيضاً التفسيق والتبديع والتكفير مرات ومرات، لماذا ... ؟؟ لأن جل هذه الدعوات والحركات لم تتخذ من المسلّمة الشرعية ألا وهي: اتباع منهج الصحابة والسلف وتعاملهم مع نصوص الشرع من الكتاب والسنة، لم تتخذها طريقاً لبناء عمل دعوي صحيح، فوقفوا عند حبهم للصحابة والسلف رضي الله عنهم، واكتفى هؤلاء بالثناء والترضي عليهم، ولا بأس بالاستدلال ببعض فتاويهم ومواقفهم التي توافق ولا ريب كثيراً مما ذهبوا إليه، وربما عابوا كثيراً على إخوانهم المخالفين لهم المتبعين لمنهج السلف قولاً وعملاً واعتقاداً، وقالوا بقصور نظرهم وضيق أفقهم، عن إدراك الشمولية والوسطية لحقائق هذا الدين الكبير، ولبعدهم أيضاً عن معترك الفكر والسياسة الواقعية، ومن هنا فلديهم قصور في النظر، وضحالة في الفهم، وضيق في الأفق، وحقيقة الأمر أنهم أخطأوا الطريق إلى الحق بهذا القول والتصور الذي خالط عقولهم ومنهجهم، لأن الخلط بين المنهج شيء، وبين تطبيق المنهج من حملته شيء آخر، نعم قد يقع الخطأ وتزل القدم، من بعض أناس يحسبون على الدعوة وهم في الحقيقة ثقل عليها، وهذا واقع عندهم وعند غيرهم، ثانياً: أن الاعتبار الذي ينبني عليه المنهج والعمل إنما يكون بصحة المنهج وسلامته اعتقاداً وتصوراً وسلوكاً، فلا اعتبار في الشرع للأفراد بدون ما يحملونه من مناهج ومعتقدات تحملهم على الحركة والبذل والدعوة والعمل، فإذا صح المنهج وسلم المعتقد، ننظر إلى سلوك العاملين ومدى توافقه مع ما يحملون من مناهج ومعتقدات وتصورات عن طبيعة العمل الدعوي أو غيره.