ثم أمر ثالث أكدنا عليه بأدلته الواضحة البينة لكل أحد بما سبق: أن حب الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يقتضي ذلك متابعتهم والسير على طريقتهم ومنهجهم في التلقي الفريد، والتعامل الصحيح مع هذا الدين وعقيدته وشريعته، هذا بمقتضي الحب والموالاة لهم، أما بمقتضي الشرع فقد أوجب الله ورسوله ذلك إيجاباً بالأمر البين في كتابه وسنة رسوله، بوجوب اتباعهم والأخذ عنهم وعدم المخالفة لهم في شيء مما شرع الله تعالى ورسوله، إلا ما كان من قبيل ما يجد من أحكام ومعاملات تتزل عليها الأحكام الشرعية وفق منهجهم ومذهبهم، لأن الشرع لا يتعارض مع ما يجد من وسائل ومستحدثات في أمور الحياة البشرية كما توهم ما لا بصيرة عنده بالشريعة وأصولها، ولا يقف منها موقف المعارضة والمباينة إلا إن تحقق بها إفساد وإخلال يرجع على مسائل الشريعة وأعراف وأخلاق الأمة ومعتقدها ودينها، ولا حاجة لي هنا أن أعيد ذكر الأدلة في ذلك لأنها أشهر من أن تذكر، إنما الإشكال، في حقيقة الاستجابة لله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته وأصحابه فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، لأن المسلم المتبع حقاً، المتسنن باتباع الهدي والسنة، لا يخالف في ذلك، بل يسلم ويذعن، ويرضى ويؤمن كما قال تعالى:" وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً "، فدلت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلكوه، وكما ذكرت كتب اللغة والتفسير أن السبيل هو الطريق، وأن أول المؤمنين الذين سلكوا طريق الإيمان والمتابعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم، فهم أول من عرف الإيمان والتسليم وكذلك السمع والطاعة وكذلك أيضاً الاتباع للأثر، ولهذا جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم الميزان الحق حين وقوع الفتن والافتراق في أمته كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وفي بعض الروايات: "هي الجماعة" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.، وكذلك قوله تعالى:" َلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما ".