لقد وقف أمام المنهج السلفي ودعوته الصافية، التي تمثل منظومة شاملة كاملة في جميع الحياة البشرية عقيدة، وعبادة، وأخلاقاً، ونظماً، اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية، لأنه من عند الله وحده:" ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً " فريقان معاصران:

الأول: المدرسة العقلانية، التي تنوعت فيها آرائهم ومذاهبهم حتى وصلت بسبب اعتمادهم على عقولهم دون الوحي المعصوم أو بالتأويل المخالف إلى حد كبير أحياناً من التناقض والاختلاف، وزعموا أن المنهج السلفي ما هو: إلا مذهب جديد مبتدع في الدين، والتمذهب به بدعة، فهو لا يعني إلا مرحلة زمنية وصفها الرسول ? بالخيرية، وأنه ليس في الإسلام طائفة متميزة تُسمى بالسلفية، وقالوا كذلك: بأن الالتزام في العصر الحاضر بالمنهج السلفي الذي سار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين أمرٌ لا موجب له، لأن هذا المنهج إنما هو موقف اجتهادي منهم ولا يلزم غيرهم الأخذ به، وأن السلف أهل السنة والجماعة يتنكرون للعقل ويغضون من شأنه وينحون به جانباً، ويُنكرون استخدام القياس، ويحكمون بالضعف أو الوضع على كل ما ورد في فضل العقل من أحاديث، والقائلون بهذا يعتمدون على الجمع التراثي من المذاهب والفرق جميعاً.

أما الذين اتخذوا موقف التحديث في الفكر الإسلامي المعاصر من هذه المدرسة العقلانية، فقالوا: بأن سنة رسول الله ? تنقسم إلى سنة تشريعية يلزم العمل بها، وسنة غير تشريعية لا يلزم العمل بها، وأنه يدخل في القسم الثاني مسائل باب (المعاملات) في الفقه الإسلامي، لأنه من أمور دنيانا التي نحن أعلم بها، كما يدخل فيه تصرفات الرسول ? في القضاء والإمامة، وقالوا أيضاً: أن قضايا الاعتقاد مسائل فكرية، وأن الفكر يتغير بتغير الزمان والمكان، فالعقيدة إذن متجددة متغيرة وعلى المسلمين أن يختاروا ما يناسبهم من المناهج بحسب الظروف والملابسات التي يعيشونها، وقالوا أيضاً: أن أصول الفقه علم مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، وأنه نظرٌ مجرد، كله مبالغة في التشعيب والتعقيد بغير طائل، ومقولات نظرية عقيمة لا تلد فقهاً البتة، بل تُولِّد جدلاً لا يتناهى، وقالوا أيضاً: أن الأحكام تتغير بتغير الزمان، وأنه لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات والظروف والأحوال المختلفة المتباينة إلا بتأسيس معقولية الأحكام الشرعية، وذلك: باتخاذ تحقيق المصالح أساساً للتشريع، وبجعل دوران الحكم الشرعي مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة، وبربط الأحكام الشرعية بأسباب نزولها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015