وكما ذكرنا فإننا نؤكد على وجوب سلوك هذا المنهج الرشيد في دعوة الناس إلى الإسلام من جديد، لأنه المنهج الوحيد الكفيل بالتمكين لهذه الأمة الإسلامية وعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الأول، وهو المنهج الكفيل ببناء حضارة إسلامية مثالية، كما تمثلت كذلك طيلة القرون الماضية، وذلك لما يحمله من نظم في العقيدة والعبادة والتشريع الوسطي الشامل، ولقد مكن الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم في الغربة الأولى للإسلام في زمان النبوة، باقتفائهم هذا الطريق وهذا المسلك للكتاب والسنة، وكم رأينا من عوامل الثبات والتمكين لهم، التي جعلت منهم السادة والقادة والفاتحين، من أمثال أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، وجعلت منهم الأمراء والخلفاء الراشدين، من أمثال الخليفة أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين، وجعلت منهم الدعاة والعلماء والقراء والمفسرين، من أمثال مصعب بن عمير وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، وحملة مشاعل العلم والدعوة في جل ربوع العالم من حولهم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً رضي الله عنهم جميعاً، والتاريخ الإسلامي والفتوحات الإسلامية التي خاضها المسلمون الأوائل فيها دلالة واضحة على عظمة وجلال هذا المنهج الإسلامي الرشيد، الذي حملوه شريعة ومنهاجاً، سيفاً ومصحفاً، حتى دانت لهم الفرس والروم، والعرب والعجم.
وإن كل محاولة للتمكين بعدهم في ظل الواقع المعاصر اليوم وما يحمله من عداء ومكائد وتفرق، لن تصل إلى كمال مرادها، وقوة تمكينها لهذا الدين، إلا إن سارت خلف هذا الركب الإيماني الرباني، وتلمست آثارهم، وحثت الخطى خلفهم، ولا يعني هذا مجرد التقليد الأعمى الذي لا يجاري التوازن بين ثوابت الشريعة وبين متطلبات الواقع المعاصر وما استحدث فيه كما تقول المدارس التغريبية والمدرسة العقلانية، لقد رأينا اليوم بعد معرفتنا لواقعنا المعاصر الأليم، أن كثيراً هم من يقولون ويبرهنون لنا أنهم سائرون خلف طريق السلف والصحابة والتابعين، ولكنهم حقيقة الأمر خالفوا طريقهم، وسلكوا مسالك للدعوة والتمكين لا تمكنهم من إثبات هذه الأقوال والدعاوى، فوقعوا في مسالك متناقضة من الجمع غير المتوافق بين مذهب السلف والخلف، وبين الصوفية والسلفية وربما العلمانية من باب حرية العقيدة، والوطن يسع الجميع والكل، وخلطوا كثيراً بين السنن والبدع التي إن تجمعت أخرجت أصلاً كلياً كبيراً، يدخل هذا المسلك الدعوي في مزالق الانحراف البعيد عن منهج أهل السنة والجماعة.
لقد وقف المنهج السلفي على طول التاريخ الإسلامي كله أمام كل الفرق والمذاهب التي فارقت وخالفت الكتاب والسنة وما أجمع عليه الصحابة والتابعون، بدأً من الخوارج والقدرية والشيعة والمرجئة ومن سار على منوالهم، وقارع بعض الصحابة هؤلاء من أمثال عبد الله بن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم جميعاً، كما تصدى جاهداً أمام العقل المعتزلي والفلسفي وأصحاب التأويل والتعطيل، وبين فساد ما ذهبوا إليه وخالفوا فيه من الحق والسنن، وفي العصر الحديث اليوم وقف المنهج أيضاً بقوة وثقة ثابتة أمام التيارات والأفكار والمذاهب المحاربة للإسلام من الشيوعية الماركسية والعلمانية والاشتراكية وغيرها وما تولد منها، وقف ليبين للناس معالم الطريق والتمكين، ومعالم الشريعة والدين، ومعالم الحضارة الإسلامية المثالية الأرقى، ولهذا لم يتوقف هؤلاء عن معاداته والتشهير به، والنيل منه، والكيد له ولأتباعه، ورميهم بالتخلف والجمود والرجعية والأصولية.
*المعادون للمنهج السلفي:-