كتاب: المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية دراسة حديثية نقدية

للدكتور عداب محمود الحمش

(عرض ونقد)

جمادى الأولى 1432هـ

كتاب هذا الشهر يتناول مسألة من مسائل المعتقد، وهي مسألة المهدي المنتظر من خلال عرض روايات أهل السنة والشيعة الإمامية عن المهدي ونقدها، وقد انتهى المؤلف من خلال دراسته تلك إلى ضعف جميع أحاديث المهدي، سواء المرفوع منها أو الموقوف، وإلى تصحيح مقالة أن ما ورد في المهدي صريحًا فغير صحيح وما صح مما ورد فغير صريح، خلافًا لما تقرر عند أهل السنة والجماعة من إثبات خروجه بل ذهب بعضهم إلى تواتر أحاديثه تواترا معنويًّا، وكان أصل هذا الكتاب بحثين للمؤلف: الأول (الروايات الواردة في ولادة المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية)، والثاني (الأحاديث التي صححها العلماء في مسألة المهدي المنتظر عند أهل السنة)، وكان هذان البحثان ضمن أبحاث الترقية لدرجة الأستاذية، ثم أعاد المؤلف النظر فيهما وراجعهما ليظهرا في هذه الصورة.

أولاً: العرض

يتكون هذا الكتاب من ستة فصول، اشتمل:

الفصل الأول منها على البحوث والدراسات السابقة في المهدي المنتظر، سواء كانت مصنفات مفردة أو أدرج موضوع المهدي ضمن مباحثها، وذلك عند كل من أهل السنة والشيعة الإمامية.

وفي الفصل الثاني تناول المؤلف الجوانب النظرية في مسألة المهدي المنتظر عند أهل السنة مبينًا دلالة كلمة (مهدي) في اللغة والاصطلاح، والعمق التاريخي لفكرة المهدي المنتظر، والجذور التاريخية، والتصور العام لعقيدة المهدي المنتظر عند أهل السنة، ثم تكلم عن المهدي المنتظر عند الصوفية، وحجية الأحاديث الواردة في المهدي عند أهل السنة إلى غير ذلك.

وفي الفصل الثالث وهو بعنوان الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر عند أهل السنة تخريج ونقد، تناول أحاديث الإمامة القرشية والتجديد، والأحاديث المرفوعة المصرحة بالمهدي عند أهل السنة، وكذلك الآثار الموقوفة ثم الأحاديث المرفوعة غير الصريحة في المهدي.

وقد اقتصر على الأحاديث التي صححها العلماء المتقدمون والمتأخرون ولاسيما الدكتور عبد العظيم عبد العليم البستوي في رسالته الجامعية (الأحاديثالواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل).

كما أعرض المؤلف عن الأحاديث الواردة في الصحيحين مما حمله العلماء على المهدي أيضًا.

وأما في الفصل الرابع وهو الجوانب النظرية في عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية فقد بدأ بتمهيد بيَّن فيه صلته بالشيعة الإمامية، ثم تكلم عن ولادة المنتظر بين العقيدة الدينية والثبوت التاريخي، وحجية مصادر الرواية عند الإمامية ومراتب الروايات الواردة في كتب الإمامية.

وفي الفصل الخامس وهو تخريج ونقد الروايات الواردة، وبعد أن بيَّن منهجه في تقويم هذه الروايات ونقدها تحدث عن الإشارة والنص على إمامة الحسن العسكري ووالدة المهدي المنتظر، والإشارة والنص على إمامة المنتظر (صاحب الدار)، والروايات الواردة في تسمية من رآه والواردة في ولادة المنتظر.

وفي الفصل السادس والأخير وهو تخريج ونقد حديث (لا مهدي إلا عيسى ابن مريم) تكلم عن الحديث وتخريجه ومن صححه من أهل العلم ومن ضعفه ثم قام بالموازنة بين أقوالهم والترجيح.

ثانياً: النقد

أخطأ المؤلف في النتيجة العامة للكتاب بتضعيفه كل أحاديث المهدي، خلافًا لما تقرر عند عامة أهل السنة من اعتقاد خروج المهدي، أضف إلى ذلك غمزه لعلماء أهل السنة، بينما على الجانب الآخر يمدح بعض أهل البدع ويدافع عنهم، كذلك فقد وقع المؤلف في أخطاء من ناحية الصناعة الحديثية، وهذه إشارة إلى بعض المؤاخذات على كتابه:

1 - دفاعه عن الصوفية ومهاجمة من ينكر عليهم انحرافهم فعندما نقل قول الألباني (ص 236): (من المسلمين اليوم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة وبخاصة الصوفية منهم). قال بعدها رادًّا عليه (ص 236): (غفر الله للشيخ الألباني فإن الذين استباحوا البيت الحرام مع مهدي جهيمان هم من تلامذته الذين يكفرون الصوفية في الجملة والمفرد). مع أن الشيخ الألباني كان من أوائل المبادرين بالإنكار عليهم.

2 - مدحه للصوفية والثناء عليهم وتزكية عقائدهم فقد قال (ص239): (إن منطلقات الصوفية في مسائل الاعتقاد هي منطلقات أهل السنة والجماعة ذاتها وليست شيئا آخر).

وأطرى عليهم بعبارات المديح، منخدعًا بأساليبهم في التغرير بالمسلمين، من حيث تكلف الخشوع والرقة والأدب .. إلخ.

ودفاعه عن ابن عربي ففي (ص 246) قال: (لقد ترجح عندي أن كل مخالفة عقدية في كتب الشيخ محيي الدين ابن عربي إنما هي من دس الزنادقة الذين كانوا يتظاهرون بالتصوف، ولاعتقادي هذا فإنني أترحم على الشيخ وأترضى عنه).

3 - دفاعه عن أحمد بن الصديق الغماري حيث قال في حاشية (ص 77): (وقول الألباني: قبوري ويحارب أهل التوحيد ... إلخ ... شنشنة غير مستغربة منه، والشيخ الألباني على منزلته لا يقارن بالشيخ السيد أحمد الغماري لسعة علومه وتعدد معارفه).

مع أن الغماري يسمي أهل نجد بالقرنيين يعني أنهم قرن الشيطان ويهاجمهم ويفتري عليهم لا لشيء إلا لدعوتهم إلى التوحيد، ومنع التمسح بقبر النبي ودعائه. ويقول عن الغماري (ص 78) إنه سيده وشيخه ويدعو الله أن ينفعه بمحبته وعلمه.

4 - يقول عن أحاديث المهدي (ص 262): (لو صح شيء إلى واحد من علماء أهل البيت لقدرته واعتمدته في هذا البحث خاصة حتى لو كان مرسلًا أو معضلًا أو منقطعًا من فوق؛ لأن ثبوت الحديث إلى واحد من أئمة الحديث هو حجة شرعية بذاته لحجية سنة أهل البيت عند الإمامية). فانظر كيف يعتمد أصول الشيعة الإمامية.

5 - تهوينه للخلاف بين أهل السنة والشيعة مع احترامه لأئمة الشيعة كما في (ص 408،409،497).

6 - طعنه في علماء السنة بقوله (ص 115): (قد ظهر لي أن عقول علماء المسلمين حتى اليوم لا تستطيع الحياة خارج الإطار الطائفي الساذج).

ولمزه الإمام ابن القيم والشيخ حمود التويجري والشيخ الألباني رحمهم الله، انظر: (ص 32، 52، 77، 83، 236).

7 - عدم وضوح انتمائه إلى أهل السنة، ويظهر ذلك في عرضه للخلاف الواقع في الأمة، حيث جعل تبعة ذلك على الفرق كلها، ولم يستثن منهم أهل السنة فقال (ص 11): (وإن صعوبة تحقق الأهداف وتجسد الطموحات المشتركة بين عقلاء هذه الأمة مرده إلى التشرذم الاجتماعي وفقدان أدب الحوار وتراشق التهم والترامي بالكفر والضلال والابتداع والانحراف، والرغبة العارمة في فرض الرأي الواحد والاحتكام إلى التاريخ، وكأن ما حدث من خطأ مضى يجب على جميع شرائح الأمة أن تتحمل آثاره السيئة إلى قيام الساعة).

8 - التبجح بعلاقاته الطيبة مع الروافض، وادعاؤه كذبا أن الخلاف بين أهل السنة وبينهم إنما هو في مسائل الفروع ولا يتجاوز 5% لذا فهو يدعو إلى التعايش السلمي بين الفريقين وعدم الحرص على دعوتهم للحق؛ لأنهم يدعون أنهم على الحق وأهل السنة يدعون أنهم على الحق، ولن يتراجع أحد الفريقين عن قوله كما في (ص409، 410).

9 - اغتراره بعلمه فقد قال عن الشيخ محمد الخضر حسين (ص80): (والذي ظهر لي أن الشيخ كغيره من علمائنا المعاصرين يستحيل في حقهم القدرة على تجاوز الأسماء اللامعة: ابن حجر، السخاوي، السيوطي، المناوي، البرزنجي، الشوكاني، الصنعاني، لاعتقاد قديم أن المتقدم أعلم وأحكم وأفضل وأعقل من المتأخر).

وقال (ص 252): (إن كثيرا من علمائنا القدامى والمحدثين يقفون عاجزين أمام نقد الحديث من جهة الصناعة بينما تراهم بارعين في الكلام عن فقهه وفوائده).

وقال (ص 538): (بعد الذي توصلنا إليه في هذا البحث لم يعد ثمة حاجة إلى التشنيع على الزيدية والإباضية ولا على من ينكر من أهل السنة أن تكون مسألة ظهور المهدي عقيدة واجبة التصديق). ركونًا إلى ما وصل إليه من نتائج.

10 - انحرافاته وأخطاؤه من الناحية الحديثية:

- قال عن الحديث الحسن لذاته: (أما الصحيح في الدرجة الثالثة أعني الحسن لذاته على فرض وجوده وإمكان تخليصه ففي بناء عقيدة عليه صعوبة بالغة من جهة أن راويه إنما نزلت درجة حديثه إلى هذه المرتبة لخفة ضبطه فكيف نستوثق من ضبطه حديثا انفرد به).

- رده للحديث الحسن لغيره كما في (ص 264،265) فقد قال: (الأحاديث التي حسنها بعض العلماء بشواهدها لا تصل إلى هذه المرتبة أبدًا لأن الحديث إنما حكمنا له بالحسن لورود شاهد له وهذا الشاهد نفسه إنما حسن بذاك الحديث وهذا دور مرفوض لا يقبل في حكم العقل ولا في علم الأصول، وما لو يأت حديث صالح للاحتجاج بذاته فلا يجوز أن يصحح به حديث أو يحسن البتة. ولقد مر علي زمن طويل وأنا أحسن بمثل هذا بل ربما أصحح ثم تبين لي من وراء النقد التطبيقي أن هذا منهج غلط بعض العلماء بتبنيه وتتابع من بعدهم على هذا المنهج تحسينا للظن بهم أو عجزا عن الاجتهاد في هذا العلم الذي قل نقاده والعارفون به).

وقال (ص 259): (والذي أراه أن الحديث الصحيح يحتج به فيما وافق ظاهر القرآن من اعتقادات ويستأنس به فيما سكت عنه من ذلك ونرد ما خالف ظاهر القرآن أو دلالته الراجحة ومما يجب أن ينتبه له أن هذا في الحديث الصحيح فقط أما الأحاديث المصححة بترقيعات (حسن بشواهده) و (حسن لغيره) و (جيد في بابه) فهذه عندي لا تفيد علما ولا توجب عملا وغاية ما تفيده الأولى والأحوط في جانبي الفعل والترك إذا لم يكن في أبوابها ما يعارضها).

- الجرأة في تضعيف الأحاديث حتى وإن تلقاها العلماء بالقبول، ومنها أحاديث المهدي وحديث (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها).

- اختراعه قواعد حديثية لم يسبق إليها مثل قوله (ص 330): (إطلاق الناقد لفظة التوثيق أو التعديل في تقويم شخصية الراوي إنما تعني منزلته العامة في سلم الجرح والتعديل ثم يأتي النظر في تطبيقاتهم العملية عند تخريج مروياته في الأبواب فقد يقولون هذا رجل ثقة ثم تجد لهم نقدا على كثير من رواياته فالتمسك بالإطلاق العام دون تتبع صنيع الحفاظ التطبيقي حيال مرويات كل راو؛ خطأ منهجي يقود إلى نتائج غير صحيحة). وهذا فتح باب لهدم علم الجرح والتعديل.

- كلامه في بعض الرواة الثقات كأبي الصديق الناجي فقال فيه (ص 329): (إن الذي يخرج أحاديث في عقيدة تبني عليها الأمة آمالها لا يجوز أن يتعامل مع تلك الأحاديث كما يتعامل مع رواة الرغائب والمناقب والفضائل، بل يجب أن يعي ذلك بعيدًا عن الترقيع فأبو الصديق الناجي حديثه حسن في المتابعات إذا خلا من المغامز ولم ينفرد وههنا قد انفرد).

قال هذا على الرغم من أن الشيخين البخاري ومسلمًا قد أخرجا له في صحيحهما ووثقه غير واحد.

وقال في سليمان بن عبيد السلمي البصري (ص 330): (مقتضى ظواهر القواعد الحديثية أن الرجل معروف العين روى عنه ثلاثة من الحفاظ ولم يجرح ووثقه حافظان، وقال أبو حاتم المتشدد: صدوق فأقل أحواله أنه محتج به في مرتبة صدوق وحديثه حسن لذاته). ومع تقريره لذلك إلا أنه يتراجع ويحكم على سليمان بالجهالة فيقول (ص 333): (وبناء على فقه الجرح والتعديل فالرجل مجهول الحال بقطع النظر عن كل ما نقل في توثيقه؛ لأن توثيقهم ليس له مستند من سبر الروايات).

هذه بعض المؤاخذات على الكتاب، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع إلى كتاب (سل الهندي على تعسف من ضعف أحاديث المهدي) لأحمد بن إبراهيم بن أبي العينين.

والله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015