تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية

أو (الفتح المبين في براءة الموحدين من عقائد المشبهين)

لعيسى بن عبد الله مانع الحميري

عرض ونقد

2جمادى الآخرة1432هـ

كتاب (تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية) يحاول فيه مؤلفه عيسى الحميرى الانتصار لمذهب الأشاعرة والماتريدية في باب أسماء الله وصفاته، ويتكلف في تقريره مع تأويل صفات الله والاقتصار على صفات عشرين فقط هي التي تليق بذات الله وكماله - على حد زعمه - إليها ترجع بقية الصفات، مدعيًا أن ما ذهب إليه هو مذهب أهل السنة والجماعة، ولم ينس الصوفية فقد نقل ما يفيد الثناء عليهم من خلال حديث (فتح القسطنينية) وحاول الدفاع عنهم من خلال إنكار تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام.

وفيما يلي نستعرض الكتاب مع بيان أهم المؤاخذات عليه:

أولا: العرض

الكتاب عبارة عن مقدمة وثلاثة أبواب، عقد بعد التقدمة مدخلًا في معاني الصفات وانتهى فيها إلى أن عقيدة أهل السنة سلفًا وخلفًا هي تأويل في تفويض وتفويض في تأويل، وكلاهما مذهب واحد لا تناقض بينهما- على حد زعمه-. ثم من خلال مقدمات كلية في علم المنطق: تناول بيان الحكم وأنواعه وأقسام الحكم العقلي ونوع ماهية الحكم، ثم تكلم عن خصائص الذات والصفات العشرين المحكمة -عنده- مع تعريف الصفة والفرق بين الصفة والنعت والوصف، ثم خصائص الصفات الإلهية. ثم ذكر الصفات العشرين المحكمة من خلال أربعة أقسام:

القسم الأول: الصفات النفسية.

القسم الثاني: الصفات السلبية.

القسم الثالث: صفات المعاني.

القسم الرابع: الصفات المعنوية.

تناول الباب الأول - وهو في النصوص الموهمة للتشبيه- من خلال أربعة فصول:

الفصل الأول: في المحكم والمتشابه، وفيه بيَّن معنى المحكم والمتشابه من القرآن الكريم، وسرد أقوال العلماء في بيان المحكم والمتشابه ومذاهبهم في حكم المتشابه.

الفصل الثاني: في بيان مذهب السلف والخلف في تفويض المتشابه، وذكر فيه معنى التفويض لغة واصطلاحًا، مع بيان مذهب السلف والخلف في التفويض.

الفصل الثالث: في بيان مذهب السلف والخلف في تأويل المتشابه وذكر فيه معنى التأويل لغة واصطلاحًا مع بيان مذهب السلف في التأويل، ومذهب الخلف في تأويل المتشابه، وتكلم عن التأويل وحقيقته عند المتكلمين، وقرر أن مذهب الخلف هو عين مذهب السلف في التأويل.

الفصل الرابع: في بيان تناقض ابن تيمية في المحكم والمتشابه والرد عليه وكذلك ابن القيم ثم قام بالرد على ابن تيمية في قوله: لله يد تليق بجلاله.

وأما الباب الثاني وهو في الأخبار الإضافية وبيان وجوب تأويلها عند السلف والخلف، فقد سرد الأخبار الإضافية وذكر أقوال العلماء فيها، ويعني بالأخبار الإضافية الصفات التي يوهم ظاهرها النقص على حد زعمه.

ثم تناول هذه الأخبار ومنها الخبر الوارد في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فذكر معنى الاستواء وأقوال العلماء فيه، وبيَّن مذهب ابن تيمية في الاستواء مع الرد عليه، وبيَّن عقيدة أهل السنة والجماعة في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وأن ذلك لا يقتضي الجهة والفوقية الذاتية المكانية، وأنه يفوض المعنى إلا أنه لا ينكر على من فسر الاستواء بالاستيلاء إن كان يعني الاقتدار والهيمنة.

وكذلك تناول الأخبار الواردة في النفس والوجه، والعين واليد والأصبع، والغيرة والشخص والشيء والصورة، والساق والقدم الرجل، والإتيان والسخرية والاستهزاء، والقرب والمشي والهرولة، والفرح والضحك والعجب والنظر، والملال أو الملل والاستحياء والإعراض والتردد والحب، والمكر والخداع والنسيان والسخرية، والمعية والجنب والغضب والفراغ والكلام، مع التصرف فيها بالتأويل أو التفويض.

وأما الباب الثالث والأخير فكان في بيان موقف أهل السنة من تقسيم ابن تيمية للتوحيد مع الرد عليه، وبيان معنى العبادة وبراءة الموحدين من الشرك.

ثانيًا: النقد

هذه بعض المؤاخذات على الكتاب - وإن كانت كثيرة - ولم نطل في الرد عليها ولم نقصد إلى استيعابها؛ لأن هناك من الكتب التي أفردت لبيان عقائد الأشعرية والماتريدية المخالفة لعقيدة أهل السنة والرد عليها، والمؤلف في هذا الكتاب يخلع لفظ أهل السنة على الأشعرية والماتريدية، ويقصره عليهم، وسبق بيان خطأ ذلك ومجانبته للصواب.

ودونك أيها القارئ بعض هذه المؤاخذات:

- قال المؤلف في (ص 13): (وواضح كل الوضوح أن لكل فن مؤهلات، فمن خاض فيه بدونها كان خطؤه أكثر من صوابه، وضرره أقرب من نفعه، ولكل فن رجال، فإذا أردت التفسير فدونك المفسر، والحديث فخذه من المحدث، والفقه يعرفك به الفقيه، والعقيدة فقدوتك فيها علماء الأصول، فعليهم المعول في ذلك). انتهى كلامه.

ومع أنه قرر في رسالته ذلك؛ فإننا نجده لم يلتزم بهذا المنهج؛ بل راح يدخل في كل فن بلا علم، فرسالته في العقيدة وهو غير متخصص فيها، وراح يصحح ما يشتهي من الأحاديث، ويرد تضعيف أهل الحديث لها، وهو ليس من أهل الحديث.

- الحط من الذهبي ومكانته لمخالفته لمعتقده في الأسماء والصفات، فقال (ص 16): (والرجل كان حافظا مؤرخًا وبلغ فيهما مرتبة الإمامة، ولم يكن إمامًا في أصول الدين).

- ذكر أن حامل لواء السنة في العقائد الإسلامية هو أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي، واستدل على تزكية معتقد الأشعري وأتباعه بحديث ((لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش)) فقائد الجيش محمد الفاتح ماتريدي المعتقد صوفي المشرب، وجيشه كان من الأشاعرة والماتريدية.

ويجاب عن هذه الشبهة بعدة أجوبة:

الأول: أن الحديث ضعيف؛ فهو من رواية عبد الله بن بشر الخثعمي، وهو مجهول، لم يوثِّقه إلا ابن حبان، وفيه اختلاف في اسمه واسم أبيه، وفي نسبه.

الثاني: أنه على فرض صحته، فقد يحمل على فتح آخر، وهو الذي يكون في آخر الزمان، والأحاديث المتضافِرة في فتح القسطنطينية كلها تذكر فتحًا غير هذا الفتح، والفتح المذكور في هذا الحديث مجمل، فيكون المقصود بهذا الحديث هو الجيش الذي يفتحها في آخر الزمان، خاصةً وأنه قد ورد في السنَّة الثناء على جند هذا الجيش. ولا يعني ذلك تنقُّص محمد الفاتح ولا التقليل من عمله ذلك.

الثالث: أنه لا حُجَّة في هذا الحديث لأهل البدع؛ إذ الحكم على عوام المسلمين أنهم يعتقدون في الله تعالى الكمال، ولا يعرفون ما أحدث أهل البدع من ضلالات؛ فالواقع أنهم من أهل السنة، ولو كان قادتهم وعلماؤهم من غير أهل السنة ممن انحرف في باب الأسماء والصفات. وما من شكٍّ في أن الجيش العثماني الذي فتح القسطنطينية أكثره من عوامِّ المسلمين، ولربما كان أميره محمد الفاتح كذلك، وأن حكمه هو نفس حكم عوامِّ المسلمين.

الرابع: أنه لو سلمنا أن الجيش العثماني كله أشاعرة، وأميره كذلك، وأقيمت الحجة عليهم - مع استبعاد ذلك - فإن الحديث لا يدلُّ على صحة مذهبهم؛ لما يلي:

أولاً لأن متعلَّق المدح هو فتح القسطنطينية، وليس شيئًا آخر فلا تعرض فيه لعقيدتهم. كذلك فإن الشخص الواحد تكون فيه حسنات وسيئات؛ فيُثنى على حسناته، وتُذَمّ سيئاته، والفاتح وجيشه - وإن كانوا أشاعرة - فإنهم مجاهدون في سبيل الله تعالى، فيُحمدون على ذلك، ولا يَلزم من ذلك عصمتهم من الخطأ، والثناء عليهم من كل وجهٍ، ولا يُستدلُّ بتزكيتهم في الجملة على صحة ما أخطؤوا فيه. إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم في مقام الرد على هذه الشبهة.

- وليت الحميري إذ دعا الناس إلى الأخذ بمذهب الإمام أبي الحسن الأشعري دعاهم لاعتماد عقيدته التي مات عليها، كما هو واضح في كتابه (الإبانة)، لكنه عدل عن الدعوة إلى ذلك إلى التشكيك في ثبوت هذا الكتاب عن الأشعري كما في (ص 25) مع أن كثيرًا من العلماء أثبتوا صحة نسبة كتاب (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري، ومنهم ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري)، والبيهقي في كتاب (الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد) والذهبي في كتاب (العلو) وابن فرحون المالكي في (الديباج) وغيرهم من العلماء. وإذا ثبت لدينا أن هذه العقيدة التي ينافح عنها المؤلف اتباعًا للأشعري، أنه تراجع عنها انهدم بنيانه من الأساس.

- طعنه في صحة نسبة كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد وكتاب (الرد على الجهمية) المنسوب إلى الإمام أحمد كما في (ص 26). وذلك لأنهما ينقضان مذهبه كما فعل مع كتاب (الإبانة).

- ذكره لعشرين صفة محكمة كما في (ص53) حيث قال إن الأمة أجمعت عليها. فيقال: لا دليل على حصر صفات الله في هذا العدد، ومن أين لهم هذا التحديد؟! بل إن الأشاعرة أنفسهم قد اضطربوا في تحديد هذه الصفات، فمن الأشاعرة من أثبت سبع صفات، وبعضهم أثبت عشرًا، وبعضهم أثبت ثلاث عشرة صفة، وبعضهم أوصلها إلى عشرين صفة لله تعالى، فهذا نوع من الاضطراب.

- في مبحث: (بيان مذهب السلف في التأويل)، جمع عن السلف من أقوال الصحابة وغيرهم ما يفيد أنه كان من مذهبهم التأويل، وقد أخطأ في عدة أمور ومنها:

- أنه تكلف في تصحيح ما نسبه إلى السلف، ومثاله ما نقل عن ابن عباس من تفسير الكرسي بالعلم، فهذا لم يصح عن ابن عباس، وأيضا ما نقله عن البخاري لم يثبت عنه، مع كونه معارضًا بما ثبت واشتهر من عقيدة البخاري في إثبات أسماء الله وصفاته على ظاهرها، وعدم تأويلها.

- أنه ينقل ما يوافق هواه من كلام بعض السلف دون جمع كل كلامهم في المسألة ليتبين معناه ويتضح مذهبهم، كما فعل في دعوى تأويل الإمام أحمد لصفة المجيء، ومع فرض ثبوته فإنما قاله الإمام أحمد حين ناظر الجهمية على سبيل المعارضة وإبطال حجة الخصم من كلامه وما يعتقده، وهذا من باب التنزل، فإن الجهمية كانت تتأول مجيئه سبحانه وإتيانه بمجيء وإتيان أمره، لا أنه يجيء بنفسه.

- أنه ربما وضع كلام بعض السلف في غير موضعه، كأن يحتج بكلام لبعضهم فيما ليس من آيات الصفات، أو فيما اختلفوا على كونه من الصفات. فمثال الأول ما ذكر عن ابن عباس من تأويل لفظه (أيد) في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] فليست الأيد هنا جمعًا لليد، بل معناها القوة، فهي ليست من آيات الصفات أصلاً وكذلك الجنب. ومثال الثاني تأويل لفظة الساق في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، وقد اختلف فيها السلف، واختلافهم ليس في إثبات الصفة، لكن في كونها هل هي من آيات الصفات أم لا، وذلك لأن الساق جاءت في هذه الآية نكرة، ولم يضفها الله عز وجل لنفسه، كذلك قد اختلفوا في قوله {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] هل هو من آيات الصفات أم لا؟

- يجعل شيخ الإسلام ابن تيمية هو محور الرد في كثير من مسائل الكتاب، وابن تيمية لم يأت بعقيدة من قبل نفسه، وإنما يقرر شيخ الإسلام عقيدة أهل السنة والجماعة التي يدعمها بالأدلة من الكتاب والسنة مع صريح المعقول.

- تبديعه لتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، ونسبته ذلك لابن تيمية متعللًا بحجج واهية، ومنها أنه لم يرد في السنة ولم يقل به أحد من الصحابة ولا الإمام أحمد، وأنه يلزم منه أن الله لم يكمل الدين ثم جاء من أكمله، وقد ادعى عدم التفرقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الألوهية في القرآن وأنه فيه الأمر بكلمة التوحيد مطلقة {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]

والجواب عن ذلك من أوجه:

الوجه الأول: أن هذه القسمة اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح، لاسيما وأنها لا تغير من حقائق الشرع شيئًا.

الوجه الثاني: أن هذا التقسيم نابع من استقراء كتاب الله، والأدلة على كل نوع من أنواعه في القرآن كثيرة، وقد جمعت أنواع التوحيد الثلاثة في آية، وهي قوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].

الوجه الثالث: أن هذا التقسيم قال به غير واحد من أهل العلم قبل شيخ الإسلام مثل ابن منده وابن جرير الطبري وابن بطة العكبري وغيرهم، ونأخذ مثالًا على ذلك من كلام ابن بطة (ت 387 هـ) قال: (أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء: أحدها أن يعتقد ربانيته؛ ليكون بذلك مباينًا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعًا، والثاني أن يعتقد وحدانيته ليكون مباينًا لمذهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره، والثالث أن يعتقده موصوفًا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفًا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه). انتهى كلامه من (الإبانة). بل قال أبو حنيفة (ت150هـ) كما في كتاب (الفقه الأوسط): (والله يدعى من أعلى لا من أسفل؛ لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء). اهـ. ففيه إثبات صفة العلو وهي من توحيد الأسماء والصفات وإثبات توحيد الربوبية والألوهية.

- أما إنكاره القول بأن المشركين كانوا مقرين بتوحيد الربوبية منكرين لتوحيد الألوهية فنكتفي بهذا النقل عن الشنقيطي فقد قال في (أضواء البيان): (ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيد في عبادته ; ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ووبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده ; لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار} َ [يونس: 31] إلى قوله: {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31] فلما أقروا بربوبيته وبّخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره، بقوله: {أَفَلا تَتَّقُونَ}.

ومنها قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: 84، 85]. فلما اعترفوا وبخهم منكرا عليهم شركهم بقوله: {قل أفلا تذكرون}. ثم قال: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 86، 87]. فلما أقروا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 87]، ثم قال: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 88، 89]. فلما أقروا وبّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89].

ومنها قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [الرعد: 16]. فلما صح الاعتراف وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الرعد: 16] ........ والآيات بنحو هذا كثيرة جدًّا، ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع أن كل الأسئلة المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار ; لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة ; نحو قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10]، وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام: 164]. وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار ; لأن استقراء القرآن دل على أن الاستفهام المتعلق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكار، لأنهم لا ينكرون الربوبية، كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه). انتهى كلامه رحمه الله.

ولو عرف المؤلف معنى اسم الله واسم الرب والفرق بينهما لتبين له الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.

- أما احتجاجه على دعواه بقول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] وبسؤال الميت في قبره (مَن ربك) وليس: مَن إلهك. وبقوله تعالى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]

والجواب عن ذلك أن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان، فيفترقان عند الاجتماع كما في قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1 - 6] وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل: (من ربك) مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]. ونوع واحد في قوله: (افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم).

إذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر: (من ربك؟) معناه: من إلهك لأن الربوبية التي أقرّ بها المشركون ما يمتحن أحد بها، وكذلك قوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40] وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام: 164] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها كما تكون قسيمة لها عند الاقتران فينبغي التفطن لهذه المسألة.

- ثم يدعي المؤلف أن هذا التقسيم له آثار سيئة كما في (ص 288) ومنها أنه أحدث بلبلة في العقول والقلوب، واضطربت بسببه صورة التوحيد الخالص، وأشعلت به نار الفتنة في الأمة الواحدة، وانقسم بسببه الناس إلى معسكرين: أحدهما يدعي لنفسه التوحيد ويرمي غيره من أهل الملة بالشرك. ثم يقول بعد ذلك كما في (ص 290): (لقد اتخذ القائلون بهذا التقسيم البدعي من تعظيم الموحدين لأنبيائهم وتوقيرهم لعباد الله الصالحين ذريعة لرمي الموحدين بالشرك والكفر). ولا يخفي ما في هذا الكلام من خطورة في فتح الباب على مصراعيه للبدع والخرافات والشركيات بدعوى تعظيم الأنبياء والأولياء والصالحين، وهل دخل الشرك على الناس إلا من هذا الباب، والأمر في هذا واضح لا يحتاج إلى بيان.

والكتاب مليء بالمغالطات والشبهات فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته سبق بيان بعضها عند عرض كتاب: (القول التمام) و (الأشاعرة أهل السنة) و (المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك).

هذا ما تيسر ذكره، والله الموفق للصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015