في الطريق إلى الألفة الإسلامية

محاولة تأصيلية ورؤية جديدة

لعبد الفتاح بن صالح بن قديش اليافعي

(عرض ونقد)

كتاب هذا الشهر هو كتاب (في الطريق إلى الألفة الإسلامية - محاولة تأصيلية ورؤية جديدة) وهو محاولة لتأصيل الطريق إلى الألفة بين المسلمين تأصيلاً علميًّا على حد تعبير مؤلفه، والمقصود تحقيق الألفة بين المختلفين في المجال الفكري؛ لأنه أكثر المجالات اختلافاً كما ذكر المؤلف، وقد حشد فيه مؤلفه ما يزيد على عشرين تقريظاً من بعض أهل السنة والرافضة والصوفية والأباضية وغيرها، مثل: أبي بكر العدني المشهور، وأحمد الخليلي، وحسن الصفار، وعمر بن حفيظ، ومحمد العمراني، وعصام البشير، وغيرهم، وهذا لا يغير شيئاً مما يتوجه إلى هذا الكتاب من نقد.

أولاً: العرض

تناول المؤلف موضوع الكتاب من خلال ثلاثة محاور:

المحور الأول: تصحيح التصور عن الآخر وتضمن مبحثين:

المبحث الأول: تصحيح النقل عن الآخر

المبحث الثاني: تصحيح الفهم

المحور الثاني: تصحيح الحكم على الآخر

وفيه ستة مباحث وهي:

1 - أنواع الخلاف

2 - هل هناك فرق بين الخطأ في الاعتقاد والخطأ في العمل

3 - متى يعذر المخالف في الاعتقاد والعمل

4 - مسألة التكفير

5 - الاعتدال والتجرد والإنصاف في الحكم على الآخر

6 - إشكالات في حديث افتراق الأمة

المحور الثالث: تصحيح المعاملة مع الآخر

واشتمل على ستة مباحث:

1 - لا إنكار في مسائل الخلاف

2 - المنهج الشرعي في التعامل مع المخالف

3 - نماذج مشرقة ونماذج مظلمة من التاريخ في التعامل مع المخالف

4 - هو سماكم المسلمين

5 - لنتعاون فيما اتفقنا عليه

6 - تجنب الإرهاب الفكري وردود الأفعال

ثانياً: النقد

- ذكر المؤلف في مقدمة كتابه (ص57، 58) أنه سيحاول أن يكون متحرراً من كل سلطة في نقد الأفكار، ثم إنه يحاول ممارسة نوع من الإكراه على قبول فكرته وما يطرحه في هذا الكتاب برمي المعارضين لفكرته بالغلو ووصفهم بالغلاة بينما من يقبل فكرته يكون من العقلاء والمعتدلين.

ولئن كان المؤلف في كتابه الذي سبق وأن عرضناه من قبل وهو كتاب (المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك) حاول التقريب بين أهل السنة والأشاعرة والماتريدية، بل جعل هاتين الفرقتين من أهل السنة، فالأمر هنا أكبر والخطب أشد، فهو يحاول التقريب بين أهل السنة والصوفية والمعتزلة والإباضية والشيعة بل والإسماعيلية والنصيرية وغيرهما من الفرق المنتسبة للإسلام.

ولأن المؤلف يعلم حجم مخالفات بعض الفرق التي ذكرها بل مصادمتها مع أصول الإسلام ومسلماته يقول محاولاً تبرئة ساحته بعد ذكر الإسماعيلية فيما نسب إليها من القول بتناسخ الأرواح وإنكار البعث والجنة والنار يقول (ص 99): (ومما يجدر التنبيه عليه هنا أنني في هذا النموذج وفي بقية النماذج إنما كتبت ما اطلعت عليه، وأخلي مسئوليتي عما قد يوجد في كتب القوم مما لم أطلع عليه، أو عما إذا كان المنقول عنهم إنما قيل تقية، أو عما إذا كان واقع الأتباع اليوم على خلاف المنقول عن كتبهم). إذن فإلى أي شيء يدعو وهو ليس على ثقة من مذاهب هؤلاء القوم؟!.

- في (ص 181) يقول: (وأحسن من رأيته تكلم في ضابط التكفير في العقائد وغيرها هو أبو حامد الغزالي في رسالته (فيصل التفرقة) ضمن رسائله (ص 78 - 84) حيث قال: (الكفر هو تكذيب الرسول في شيء مما جاء به، والإيمان هو تصديقه بكل ما جاء به ... ) إلخ. فتأمل كيف استحسن كلام الغزالي في حصر الكفر في التكذيب، مع كون الكفر يحصل أيضاً بالقول أو الفعل، وحصر التكفير في التكذيب هو من عقائد المرجئة.

- ذكر المؤلف نماذج من معتقدات بعض الفرق وترك نماذج أخرى أهم، وبعضها فيه انحراف وبعد كبير عن منهج أهل السنة.

- ولأن منهجه في التقريب بين المذاهب المختلفة بعد إذابة الفوارق بينهم أو تمييعها يعارضه حديث افتراق الأمة حاول أن يثير الشكوك حول هذا الحديث من ناحية صحته وضعفه ككل، وخاصة زيادة (كلها في النار إلا واحدة).

ولأن أهل السنة من أكبر ما يميزهم عن أهل البدع هو اعتمادهم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة حاول أن يزعزع هذا الأصل بإيراد ثلاثة إشكالات عليه (ص 239) ومنها إشكال في تحديد السلف الصالح، حيث ذكر أن في تحديدهم أقوالاً كثيرة، ولم يذكر منها إلا ثلاثة، ثم قال: (كل طائفة تدعي أن لها سلفاً من تلك القرون الفاضلة بل كل طائفة تدعي أن ما هي عليه هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) إذن وعلى كلامه فلا يصح لأهل السنة أن يدعوا تميزهم بهذا الأصل.

ثم ذكر إشكالين آخرين متهافتين الأول هو أننا إذا حددنا السلف الصالح فهم إما أن يجمعوا وإما أن يختلفوا، فإن أجمعوا فإجماعهم حجة، وإن اختلفوا فاختلافهم رحمة وسعة. ويتساءل ما الفائدة من قولنا على فهم السلف، والإجماع من أهل كل عصر حجة؟ فكأنه يسوي بين الصحابة وغيرهم ويقلل من منزلتهم ومكانتهم وما لهم من تميز عن سائر الأمة بدلالة نصوص الكتاب والسنة.

ثم أتبع ذلك بإشكال آخر (ص 240) وهو أن الاختلاف في العقائد حصل في القرون المفضلة وأن هذا الخلاف يخرق الإجماع -على خلاف بين أهل السنة في ذلك كما يقول- وطالما أن المسألة ليس فيها إجماع فالخلاف فيه سعة حينئذ.

وهو هنا يحاول أن يتحرر من أصول أهل السنة من أجل التقارب مع الفرق الضالة وتحقيق الألفة معهم.

- وتحت عنوان من هي الفرقة الناجية أتى بشيء عجيب وهو أنه تحول من الكلام عن الفرقة الناجية والتي لها خصائص معينة وصفات معينة ليتكلم عن الناجي فقال: (إن الناجي هو المتقي من أي طائفة كان - عقدية أو فقهية أو دعوية - والناجي في مجال الفكر والعقيدة هو من بذل جهده للوصول إلى الحق بتجرد وإنصاف سواء أصاب الحق أم أخطأه من أي طائفة كان لأن ذلك وسعه ومستطاعه من التقوى {فاتقوا الله ما استطعتم} {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ومن لم يبذل جهده للوصول للحق أو بذله بلا تجرد وإنصاف فهو مقصر وصاحب هوى غير متقي وهو غير ناج سواء أصاب الحق أم أخطأه من أي طائفة كان ومن ذلك نعلم أن مناط النجاة هو الشخص لا الطائفة.

ولما أورد اعتراضاً على نفسه بأن الحديث فيه أن الناجي طائفة قال (ص 242): (إن مجموع أولئك الناجين من كل المذاهب هم الفرقة الناجية).

فمن سلفه في هذا الفهم العجيب الذي يجعل المتقي من السنة والشيعة والمعتزلة والخوارج والنصيرية وغيرهم يشكلون الفرقة الناجية بغض النظر عن المنهج والعقيدة؟!!.

نعوذ بالله من الخذلان.

- في آخر الكتاب (ص 323) وتحت عنوان مقتطفات من كلام بعض المشايخ في قضية التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية ذكر كلاماً للشيخ يوسف القرضاوي وغيره، وها هو الشيخ القرضاوي يعلن تراجعه عن التقارب مع الشيعة فيقول بلسان من عرف الواقع وبصَّرته التجربة: (لا يمكن أن نتفاهم ونتقارب فيما بيننا وأنا أقول أبو بكر رضي الله عنه، وأنت تقول أبو بكر لعنه الله، فكم الفرق بعيد بين الترضي عن شخص وقذفه باللعنة). وقد أعلن أن أغلب الشيعة يؤمنون بأن القرآن ناقص، وأنهم لا زالوا يتقربون إلى الله بسب ولعن الصحابة رضوان الله عليهم.

كذلك اكتشف الشيخ القرضاوي حقيقة هامة وهي: أن محاولات التقريب من جانب الشيعة كانت ستاراً لنشر التشيع في ديار أهل السنة يدرك ذلك من وقف على ظواهر المد الشيعي في بلاد السنة.

ثم إن المؤلف نفسه يعترف كما في (ص 272) بـ (أن التقية عند الإمامية تعد حاجزاً أمام تصديق أهل السنة لأي تصحيح أو تقارب من قبل الشيعة، ولكننا نقول: إن حَسَنَ المعاملة ولو تقية خير من سيئ المعاملة). انتهى كلامه، فكيف بعد ذلك نقول بالتقارب معهم وهم يتحينون الفرصة للانقضاض على أهل السنة والفتك بهم، وما فائدة حسن المعاملة في الظاهر تقية، وما يدريه أن ما قرأه أو سمعه منهم إنما كان على سبيل التقية.

وتاريخ الشيعة مع السنة تاريخ حافل بالغدر والخيانة ومناصرة الأعداء ضد أهل السنة في القديم والحديث.

- إن كلام المؤلف في موضوع تصحيح التصور عن الآخر وتصحيح الفهم عنه يصلح فيما يتعلق بالأفراد والجماعات التي لم تُعرف حقيقتها، أما الفرق المبتدعة التي ذكرها فإن كتب الفرق والملل والنحل قد تكفلت ببيان حقائقها وأفكارها ومعتقداتها المخالفة للعقيدة الصحيحة، وإن تحقيق الألفة لا يكون على حساب الدين والعقيدة، وكما قيل: كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة.

هذه بعض المؤاخذات على الكتاب والذي يحتاج إلى من يقوم بالرد عليه ردًّا شافياً، وبيان أخطائه بياناً تفصيليًّا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015