فالإسلام عقيدة وشريعة، وأي تجزئة بينهما تعني كفر بهذا المنهج الرباني كما قال تعالى: " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " (البقرة85). فعلينا أن نعتز بهذا الدين، وأن نعتصم بحبله قال تعالى: " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " (الحج78). هذا واجب المجتمع الإسلامي الذي يسعى للنصر والتمكين، ويسعي لرضى الله تعالى والسعادة في الدنيا والآخرة.
*************************************
الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين (4/ 4)
(قيام العلماء والدعاة بواجبهم وتوحيد الصف المسلم)
نستطيع هنا بداية أن نقف مع مكانة العلماء والدعاة ودورهم الكبير في توحيد الصف المسلم، وبناء جيل التمكين الإسلامي بالوحدة على منهج السلف الصالح، بإيجاز في نقاط سريعة:
- إن العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم والدعوة، وورثوا الصلاح والهدى، ولا يمكن للأمة أن تتحرك بدون علمائها ومشورتهم وقولهم، وكم رأينا ثبات الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله أمام فتنة القول بخلق القرآن، وأمام علماء السوء الذي زجوا به وبأمثاله من أهل العلم إليها، ومع ذلك صبر على هذه الفتنة العمياء، لأنه لو زل وهو صاحب الكلمة الصواب، والرأي المسموع، لزل خلفه عالم كثير، فالعالم دوره كبير في نصرة الحق، وخدمة الدعوة، والحركة لها، وكم وقف العلماء في وجه الطغيان، ينصرون الحق، ويجاهدون في سبيل الله تعالى، والتاريخ مملوء بذكر آثارهم وثمار صدقهم وجهادهم.
لقد رفع الله تعالى من منزلة العلماء كما قال تعالى: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " وقال تعالى:" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وبين أن العلماء أكثر الناس خشية لله تعالى فقد قال جل شأنه:" إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" ولم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في الاستزادة من شيء إلا العلم قال تعالى:"وقل ربي زدني علما " واستشهد بهم سبحانه في أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال تعالى:" شهد الله أنّه لا أله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط "، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:
أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.
والثالث: اقتران شهادتهم بشهادة ملائكته.
والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فإنّ الله تعالى لا يستشهد من خلقه إلا العدول.
والأحاديث الشريفة طافحة بذكر فضل العلم وبيان فضل العلماء نذكر منها حديث معاوية: " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " متفق عليه، ومنها حديث أبي هريرة: " ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" رواه مسلم، ومنه حديث أبي أمامة: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ثم قال صلى الله عليه وسلم " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير" رواه الترمذي.