فالآيات والأحاديث تبين فضل العلماء وخطورة القدح فيهم لأن لحومهم مسمومة فمن تكلم فيهم فقد هلك بتعريضه نفسه لغضب الله تعالى ففي الحديث القدسي:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .... "الحديث. رواه البخاري، والعلماء بلا شك من أولياء الله تعالى، قال الإمام الطحاوي في عقيدته المختصرة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
- فالواجب على العالم الذي حمل أمانة العلم والدعوة ألا يركن إلى زهرة الدنيا، ويجعل الدعوة جانباً مهملاً في حياته، كلا، بل عليه أن يكون رحالة سائحًا في محلات مدينته, ومدن قطره, يبلغ دعوة الإسلام.
انظر مثلاً كيف كانت رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الإسلام , وتبشر به, ولم يكن ثمة انتظار ورودهم إلى المدينة , ألا ترى أن الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام , فلما أخبره بها وقال: "لا أزيد عليهن ولا أنقص" كيف كان قد بدأ سؤاله بأن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد, أتانا رسولك, فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ " رواه مسلم. أتاهم رسوله داعيًا, وكذلك الناس تُؤتى , ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية , ولو فصلت كلمة هذا الأعرابي لتبين لك كيف فارق هذا الصحابي الداعية المدينة لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لقوم هذا, وكيف فارق أهله وبيته وأولاده, وكيف اجتاز المفاوز وصحراء من بعد صحراء، وكيف تعرض للمخاطر والحر أو البرد, ليبلغ دعوة الإسلام.
وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها, لابد من تحرك ومبادأة وغدو ورواح وتكلم وزعم, ليس القعود والتمني من الطرق الموصلة, فافقه سيرة سلفك وقلدهم, تصل, وإلا, فراوح في مكانك، فإنك لن تبرحه ... ويروي لنا التابعي الكوفي الفقيه النبيل عامر الشعبي, أن رجالاً "خرجوا من الكوفة, ونزلوا قريبًا يتعبدون, فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود, فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم , فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالو: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد , فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا".
"كان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد، أو قيام بحق, أو اتباع للأمر, سأل عنه, وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة, وأحب أن يعرف أحواله". لم يكن بالمنعزل المتواري الهارب من الناس, فالداعية يفتش عن الناس، ويبحث عنهم, ويسأل عن أخبارهم, ويرحل للقائهم, ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم, ومن انتظر مجئ الناس إليه في مسجده أو بيته, فإن الأيام تبقيه وحيدًا, ويتعلم فن التثاؤب.
قالوا في التعريف بموسى بن حزام شيخ البخاري والترمذي: "إنه كان ثقة صالحًا, لكنه كان في أول أمره ينتحل الإرجاء, ثم أعانه الله تعالى بأحمد بن حنبل، فانتحل السنة, وذب عنها, وقمع من خالفها, مع لزوم الدين, حتى مات" ().