لا. ولكنهم كانوا يملكون دواء عجيباً يزيل الأوجاع كلها والآلام، ولكنه ليسر مخدراً كالمخدرات التي نعرفها. ويصب في الجسد قوة ونشاطاً، ولكن لا نعرف -ونحن في عصر التقدم- دواء مثله، ويحفظ الجروح في الحرب سليمة من الجراثيم من غير رباط ولا تعقيم، ويصبّر الجسد على الجوع فلا يحس به ولا يضره، وعلى العطش وعلى قلة النوم.
إنه دواء له عمل السحر وليس بسحر.
وبهذا الدواء كانت رفيدة، المرأة التي لم تدخل مدرسة التمريض، تداوي الجرحى في الحرب في خيمتها التي نصبتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مَن قُطعت يده، أو شق جنبه، أو شج رأسه، فيخرج معافى بلا بنسلين ولا ستربتومايسين. وبهذا الدواء كان يتداوى من يصيبه السهم فيخرجه من جسده، ويوالي القتال. وبهذا الدواء صبر الجندي المسلم على الجوع والعطش والتعب، حتى استطاع أن يمشي من المدينة إلى مصر وليبيا وساحل الأطلنطي وقلب فرنسا، وإلى الشام والعراق وفارس والأفغان والهند. وبهذا الدواء تغلب علماء المسلمين على تعب السهر واستغنوا عن المنام حتى ألّفوا هذه الكتب التي كانت معجزة الفكر البشري.
ولما نسينا نحن تركيب هذا الدواء ضعفنا في أجسادنا وأرواحنا وعقولنا، وتخاذلنا، ونزلنا بعد الرفعة، ورجعنا بعد التقدم، وصرنا وراء الناس وكنا في مقدمة الناس.
هذا الدواء يا سادة اسمه ... اسمه: الإيمان.
***