معركة بدر، حين كان معاذ بن عمرو بن الجموح يقاتل، فأصابته ضربة سيف على عاتقه، فقُطعت يده وبقيت معلقة بجلده في كتفه، هل تدرون ماذا صنع؟

لا. لم يحملوه على محفة المستشفى العسكري المتنقل، ولم يُلقَ على سرير العمليات ليخدر ثم يخاط الجرح، ولم يعط شيئاً من مبيدات الجراثيم، بل استمر يقاتل، ولما ضايقته يده المقطوعة المعلقة بكتفه تقاصر حتى وصلت أصابعها إلى الأرض، فوضعها تحت قدمه ونهض فتمطى حتى قطع الجلدة الباقية، وأخذ اليد المقطوعة فألقاها، وعاد إلى الجهاد.

هذه قصة حقيقية. ولقد ذكرتها وأنا في المستشفى وأنا -رغم حفظ الجرح ولفه بالضمادات المعقمة وأخذي المضادات- أخاف، أو يخافون عليّ، تسمم الجرح ... وهذا يصنع ما سمعتم به!

إنكم تقرؤون الخبر من أخبار السيرة ومن أخبار التاريخ، فتمرون به من غير أن تتصوروه حقيقة. وأنا لا أشك أن كثيرين منكم قرؤوا هذا الخبر، ولكن هل تصوره أحد منكم؟

الواحد منا تجرح يده فيسرع إلى القطن والغَول (الإسبيرتو)، وتهرس إصبعه أو تنشق كفه، فيركض إلى المستشفى ليخيط الجرح ويعقمه. فكيف استطاع هذا المجاهد احتمال قطع يده من الكتف؟ ألم ينزف منها دمه؟ ألم يتلوث الجرح؟ ألم يحمل من الألم ما يمنعه من القتال؟ فكيف استمر في القتال؟

هل نحن بشر وهو فوق البشر، أم هو بشر ونحن دون البشر؟ هل يختلف تركيب أجسادنا عن تركيب أجسادهم؟ هل خُلقنا نحن من طين وهم من الإسمنت المسلح؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015