وأنا أتمنى أن يتنبه إخواننا مدرسو الأدب العربي، فلا يقتصروا على بلاغة اللفظ حين يختارون النصوص والشواهد للطلاب؛ فبلاغة اللفظ هي المعيار الأول للكلام في رأي أستاذ الأدب، ولكنها لا تكفي وحدها، بل يجب أن ينظر إلى ما تثير في نفس الطالب من ميول، وما توحي به من توجيه في الحياة، وما يكون لها من أثر في الخلق وفي السلوك.

إن خطة زياد -مثلاً- من أبلغ الخطب، وخطبة الحجاج مثلها، وهما نافعتان في تقويم الملكة الأدبية؛ ولكن ما توحيان به من توجه سيء جداً؛ ففيهما إعلان خطة الظلم التي ينكرها الإسلام في أخذ البريء بالمجرم في خطبة زياد، وطريقة الاستبداد التي يأباها الدين في خطبة الحجاج ... وفي دراسة نقائض جرير والفرزدق أدب كثير، وفيها -كما قال يونس- ربع اللغة، وهي أنفع شيء في إقامة اللسان وتقوية السليقة، ولكنها توحي بتحسين الأعراف الجاهلية في الحياة؛ تلك الأعراف التي كان إبطالها من جملة أغراض الإسلام ... وفي شعر بشار وأبي نواس وأمثالهما أدب كثير، ولكن فيه هدم الأخلاق، ونشر الفساد ... وفي شعر أبي العتاهية أدب كثير ولكن فيه قتل الطموح والاستسلام لليأس ... والشواهد كثيرة.

وأنا ما أردت الاستقصاء، لكن التمثيل؛ لأبيّن أن أستاذ الأدب يستطيع أن يكون موجهاً ومصلحاً إذا لم يكتفِ -عند اختيار النصوص للدراسة والاستظهار- ببلاغة لفظها وصفاء ديباجتها، بل نظر إلى ما توحي به من خلق وما تشتمل عليه من توجيه.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015