هل تعرفون أن العرب يسمون الشيخ المسن «الكُنتيّ»؟ إنها نسبة غريبة إلى قوله «كنت» و «كنت»؛ لأن الشاب يعيش في المستقبل، يقول: "سأكون غداً"، أما الشيخ فيعيش في الماضي، يقول: "كنت أمس".
وأنا سأعترف الليلة بأني شيخ؛ لأني سأحدثكم حديث الماضي. لا أقول: «كنتُ»، فما عن نفسي أتحدث، ولكن أقول: «كنّا».
تذكرت الماضي وأنا أستمع اليوم إلى الإذاعة من رادّ صغير أمامي، وقلت عندنا الرادّ (أي الراديو) والرائي (أي التلفزيون)، وآلات التسجيل، والبرّاد، وموقد الغاز ... فهل تدرون أننا لم نكن نعرف ونحن صغار في دمشق، بل لم تكن دمشق تعرف شيئاً من ذلك كله؟!
كنا نعيش في البلدة القديمة، ولم يكن قد فتح شارع واحد من هذه الشوارع التي تمتلئ بها اليوم دمشق، وأول شارع فيها شقه جمال باشا سنة 1916 ميلادية، أيام الحرب الأولى. وكنّا إذا جنّ الليل أوقدنا مصابيح الكاز (الكازات) وكانت صغيرة، فلما ارتقينا جاءت (الكازات نمرة 4) ذات الفتيل العريض. ولم أعرف الكهرباء إلا وأنا تلميذ في السنة الخامسة الابتدائية، أوصلوا إلينا شريطاً من دار الجيران، فلما خبرت التلاميذ في المدرسة بأننا نشعل المصباح بلا كبريت وزيت كذبوني، فضربتهم، فجاء