وليعم القحط، وليهلك القريب والبعيد، والصديق والعدو، ولا يبقى أحد.

والمعري يرتفع إلى أعلى درجات الإيثار فلا يرضى أن ينزل المطر عليه ولا على أرضه وحدها، لا يرتضي إلا غيثاً عاماً يشمل خيره البلاد والعباد. كم بين هذا وبين قوله ذلك البيت: وإذا مت ظمآناً فلا نزل المطر؟!

ومثله البيت الآخر:

ونحن أناس لا توسط بيننا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر

الصدر أو القبر؟ أما من توسط بينهما؟ هذا -والله- أسوأ منهج في الحياة!

أي أنك إذا ركبت في سفينة ومعك أهلك وولدك وأوشكت على الغرق فقال لك الربان: ألقِ في البحر نصف أمتعتك تخلص من الغرق، قلت: لا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر. فإما أن أنجو بمتاعي كله أو أن أموت أنا أهلي.

وأن الطالب في الامتحان إذا ألقي عليه سؤال رأى أنه إن أجاب عليه نال درجة النجاح ولكن لم ينل درجة التفوق، قال: لنا الصدر ... ، فإما مئة على مئة وإما الصفر.

والتاجر إذا أمل أن يربح في البضاعة ألفاً، فنقص ربحه مئتان ركب رأسه وقال: لا، لنا الصدر ... ، وآثر أن يخسر ثمن البضاعة كله عن أن ينقص ربحه مئتان.

إن من المؤسف أن هذا البيت قد جرى على ألسنة الناس واتخذه كثير منهم منهاجاً لحياتهم، فأضاع على من أخذ به خيراً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015