"إنكنّ قد أحسنتُنّ إليّ وإني مكافئكنّ على إحسانكنّ، اعلمْنَ أني آتٍ من بلد أرقى من بلدكن، وعندي من العلم ما ليس عندكن، فاتبعنني واتخذنني مستشاراً لوزيرتكنّ أنهضْ بكنّ فتصِرن أمة من الإوز".
فقلن له: "أنظرنا حتى نرى رأينا". وانتحين ناحية يتشاوَرْنَ، فقالت حكيمتُهنّ: "إن هذا الغراب يفسد عليكنّ أمركنّ، وعامل على إهلاككنّ بقطعِكُنّ عن أصلكنّ، فقمن إليه فافقأن عينيه، واعلمْنَ أنه مَن صادق ما ليس من طبعه أصابه ما أصاب البيت من النار". قُلنَ: "وكيف كان ذلك؟ ".
قالت: إنه كان في روضة غناء بيت جميل أمام نهر جارٍ، وإنه لبث ما شاء الله أن يلبث، ثم بدا له فقال: "ما أشَقَّ الحياة بلا رفيق ولا أنيس، وما أشقى من يقيم وحده لا يجد من يشاطره سرّاءه وضرّاءه، وإني منطلق فمبتغٍ لي صديقاً". ولكنه لم يجد إلا النار فخاللها، وباتا متعانقين، فلم يصبحا حتى أصبح رماداً ... وإني خائفة عليكنّ صحبة هذا الغراب، فأطعنني اليوم واعصينني آخر الدهر.
فأبينَ ذلك عليها، وأعرضْنَ عنها، وذهبن إلى رَوجَة فاتخذْنَه مستشاراً. فقال لهن: "المستشار مؤتمَن؛ وأنا واضع لكنّ برنامجاً إذا أنتنّ عملتُنّ به صيركنّ أمة راقية من الإوز. فقمن إلى هذه الأسباب التي تربطكنّ بهذه اللغة وهذه الشريعة فاصرمْنَها واتركن وكركنّ يسبح بالماء، فإنه لا ينتهي النهر إلى مصبه حتى ينتهي أمركن إلى ما أردتنّ". فأطعنَه، وفعلن ما أراد لهن، فما شَعَرن إلا وهن يتخبطنَ في الماء، والغرابُ ناجٍ بما اختزنَّ من الحب.
...
هذا ما سمعته من حديثهما، وإن فيه لعظة لقومي لو كانوا يفقهون.
***