الكفار من المؤمنين. قال الطبري: "فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركاً بالله من بعد إسلامه، أشد عليه وأضر من أن يُقتل مقيماً على دينه، متمسكاً عليه، محقاً فيه"، تفسير الطبري 3/ 565.
وكذلك تفهم الآية الثانية: {والفتنة أكبر من القتل}، في سياقها وسبب نزولها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث عبد الله بن جحش وناساً معه من المسلمين إلى المشركين، فقتلوا عمرو بن الخضرمي، وذلك في أول يوم من رجب، فاستنكر المشركون ذلك، وقالوا: ألستم تزعمون أنكم أنكم تحرمون القتال في الشهر الحرام؟ فنزل قوله تعالى: {يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل}، يقول: هذا كله أكبر عند الله من الذي استنكرتم، والفتنة التي أنتم مقيمون عليها، يعني الشرك أكبر من القتل، أي من قتل ابن الحضرمي، راجع أسباب النزول ص 61، وتفسير مجاهد ص 232، وسيرة ابن هشام 1/ 604.
يقول الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} البقرة 224، يستشهد كثير من الناس بهذه الآية على النهي عن الحلف، وليس الأمر على ذلك، ويظهر ذلك من تمام الآية، ومن معرفة سبب نزولها، وقول أهل التفسير فيها، يقول الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}، قيل إنها نزلت في أبي بكر الصديق إذا حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة، حين خاض في حديث اإفك، ورمى عائشة الطاهرة بالباطل، وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف ألا يكلم بشير بن النعمان -وكان زوجه على أخته- ولا يصلح بينهما.
وقد روي عن التابعي الجليل إبراهيم النخعي أن المعنى: "لا تحلف ألا تتقي الله، ولا تحلف ألا تبر ولا تعمل خيراً، ولا تحلف ألا تصل، ولا تحلف ألا تصلح بين الناس، ولا تحلف أن تقتل وتقطع"، وقال ابن قدامة في المغني 13/ 440: "ومعناه لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس"، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً