سمعي) إلى ملالة الحياة ومحاولة التخلص منها، وفسر بذلك ظاهرة الانتحار في المجتمع السويدي، وهو مجتمع سعيد جداً؛ لأنه ليست له مشاكل داخلية أو خارجية، ومع ذلك تكثر فيه ظاهرة الانتحار". انتهى كلام الأستاذ الدكتور!
فانظر كيف فسر "الزهق"، تفسير العوام، ثم بنى عليه ذلك الكلام.
وليس "الزهق" هو الملل، إنما هو البطلان والهلاك والاضمحلال، ومنه قوله تعالى: {إن الباطل كان زهوقاً} [الإسراء: 81]، ومعنى (تزهق أنفسهم) في الآية الكريمة: أي تخرج، قال أبو عبيدة: "أي تخرج وتموت وتهلك" مجاز القرآن 1/ 262. وقال القرطبي في تفسيره 8/ 65: {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التوبة: 55]، نص في أن الله يريد أن يموتوا كافرين. سبق بذلك القضاء"، وقال الطبري في تفسيره 14/ 297: "وتخرج أنفسهم فيموتوا على كفرهم بالله وجحودهم نبوة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم".
وواضح أن الدكتور الفاضل قد ظن أن الهمزة في قول العوام "الزهأ -وأنا زهآن" إنما هي القاف الفصيحة التي تأتي غالباً في لغة المصريين والشوام همزة، مثل: "ألت" مكان: "قلت"، و: "أريب" موضع: "قريب"، ويٌسرف الشوام في ذلك فيقولون: "الموسيئا" بدل: "الموسيقى"، ولا يفعل عوام المصريين ذلك في مثل هذه الكلمة، لأنها من الكلمات الثقافية التي يحافظون على صواب نطقها.
وهنا فائدتان: الأولى أن المعجم العربي لم يذكر مادة (زهأ) أصلاً، في أي معنى، أما قولهم: "زُهاء مائة" بمعنى قدر مائة، فأنت تجدها في المعاجم في مادة (زهى) لأنها من زهوت القوم: أي حزرتهم وقدرت عددهم. وهذه الهمزة التي في "زهاء" ليست أصلية، وإنما هي منقلبة عن واو، وأصلها: زهاو، ومثل ذلك: سماء ودعاء ورجاء، فأصلها كلها: سماو ودعاو ورجاو، لأن أفعالها: سموت ودعوت ورجوت. ويقول الصرفيون: تطرفت الواو ألف زائدة فقلبت همزة.
الفائدة الثانية: أن قلب القاف همزة عند عوام المصريين ليس وليد اليوم، وإنما هو قديم، وقد وجدت ذلك في ترجمة "جمال الدين يونس بن بدران بن فيروز الحجازي ثم المليجي المصري، المولود سنة (550 هـ) والمتوفى (623 هـ)،