ثم أنشدك قول الآخر (وقد أعْجلتني عن أن أنسبه لك):
إن القديم إذا ما ضاع آخره ... كساعدٍ فلَّه الأيامُ محطومُ
ثم أنشدك - وهو أخفُّ الشواهد عليك إن شاء الله - قول أبي تمام:
وابن الكريم مطالَبٌ بقديمه ... غَلِقٌ وصافي العيش لابن الزُّفَلِ
وأخيراً أترحَّم على والدك العظيم ثم أنشدك وأنشده قول جرير يخاطب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز:
تَزَوَّدْ مثل زادِ أبيكَ فينا ... فنعم الزادُ زادُ أبيك زادا
ثم إنك غضبت من الشيخ محمود لأنه ذكر امامك رايا في والدك لم يقع منك موقع الرضا، فاعلم أن ليس محمود شاكر أول من أبدى رأياً غير طيب في والدك، فالعقاد فعل ذلك، وأظنك لم تنس كتاب زكي مبارك "جناية أحمد أمين على الأدب العربي"، وأذكر أن أساتذتنا في أيام الطلب كانوا يكثرون من نقد كتب أبيك في عصور الإِسلام، كلٌّ في مجال تخصصه، ومن هؤلاء العالم الكبير الدكتور ضياء الدين الريس في كتابه الماتع: "النظريات السياسية الإِسلامية"، وأنت الذي أصررت أن تستخرج رأي محمود شاكر في أبيك، وقد ذكرت انك كلما ألححت عليه في الطلب قال لك "فَوِّتْ"، وكأنه رحمه الله كان يريد أن يقول ما قالته العرب قديماً: "اعْفُ عن ذِي قَبْر"، ثم أما بعد:
فيا أستاذ حسين أحمد أمين: لقد وصفت شيخ العربية وحارسها محمود محمد شاكر - على لسان الحاج وهبه، وقد برئ منه في العدد الرابع من الجيل، فصار الكلام خالصا لك، وخارجاً من كيسك وحدك - وصفت الشيخ بأنه فظ فظ فظ، وأنه يدور كالثور الهائج يهاجم ويطعن ويسبّ ويلعن. فأتيت بذلك منكراً من القول وزوراً، ولقد أهنت الأمة العربية كلها في شخص علَم كبير من أعلامها، ورأس ضخم من رؤوسها، وهذه الإِهانة لا يُعتذر عنها، ولا تسقط بالتقادم، وقد قال أبو الطيب الصعلوكي - من فقهاء الشافعية في القرن الرابع -: "عقوق الوالدِين يمحوها الاستغفار وعقوق الأستاذِين لا يمحوها شيء".