وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل الهجرة، يعلمانهم الإِسلام، ويقرئانهم القرآن، وكما خلف معاذ بن جبل بمكة بعد الفتح يقرئ الناس القرآن. قال عبادة بن الصامت: "كان الرجل إذا هاجر دفعه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجة بتلاوة القرآن، حتى أمرهم رسولى الله أن يخفضوا أصواتهم، لئلا يتغالطوا"، انظر: مناهل العرفان للشيخ الزرقاني 1/ 241، وهو كتاب جيد جداً في علوم القرآن.
ثالثاً: اهتم الرسول عليه السلام هو وأصحابه أولى الأمر بجمع القرآن في الصدور - أي حفظه واستظهاره - وكان ذلك أمراً طبيعيّاً، لأن الرسول عليه السلام كان أمِّيّاً، وبُعث في أمة أمية، يقل فيها الكتاب، ولا يشيع بينها الخط، ثم أوحي إليه عليه السلام أن يكتب القرآن، فاتخذ كتاباً من خيرة الصحابة، زيادة في الاستيثاق لكتاب الله تعالى "حتى تُظاهر الكتابة الحفظ، ويُعاضد النقش اللفظ".
ومع كتابة القرآن الكريم ظل الحفظ هو الأساس والمعتمد، قالى ابن الجزري: "ثم إن الاعتماد في نفل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: "إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان"، فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في صفة أمته: "أناجيلهم في صدورهم".
رابعاً: توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم كله مجموع في الصدور، ومكتوب في السطور، ثم كان جمع أبي بكر القرآن، وبعده كان جمع عثمان، والفرق بين الجمعين معروف في كتب علوم القرآن. ومن أحسن المراجع في ذلك كتاب الشيخ الزرقاني المذكور قريباً.
وخلاصة الأمر أن عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحف واحد، سمي "المصحف الإِمام"، واستنسخ منه نسخاً أرسلها إلى الأمصار الإِسلامية، ولم يكتف